عن قرطبا، قرطبا، قرطبا

TT

يعترض السيد عبد الرحمن حميدة من نيويورك، على انني كتبت «قرطبا» بالالف بدل التاء المربوطة. وهذا حق قابل للنقاش، وسوف اناقشه. ويقول ان تلامذة الابتدائي والثانوي يعرفون ان قرطبة تكتب بالتاء المربوطة منذ زمن، وهذه قلة ادب ولن اقحم نفسي في أسنها.

اما عن قرطبا، فهي يا صاحب السعادة، اسم فنيقي لا عربي. والاسماء الاعجمية تكتب املائياً بما يراعي المنهج الصوتي بحيث يقربها من اللفظ الاصلي. وقد اختار القدماء التاء المربوطة على اساس ان تلفظ هاء في نهاية الكلام مثل افريقية وسورية. لكن بوجود الالف فلماذا التعليل؟ ولماذا اشبيلية وليست اشبيليا؟ وقد قال القدامى عن سكان الاندلس القدامى انهم «القوط». فهل هم «القوط» ام «الغوتيون»؟ وهل الاصرار على الخطأ تكريم للغة والثقافة والمعرفة والتطور ام العكس؟

كوردوبا او قرطبا كلمة فينيقية تعني «الارض الطيبة». واصلها «كرتوبا». وفي لبنان بلدة تحمل الاسم نفسه والاصل نفسه. وقد عرب العرب كلياً بعض الاسماء الفينيقية في الاندلس، كالمنكّب التي كانت اول ما وصلها عبد الرحمن الداخل في عزمه الاسطوري. اي المرتفع. وبقيت اسماء اخرى على ما هي، مثل «قادش» التي يسميها صاحب الرسالة من نيويورك «قادس». وهذه اول مرة اراها مكتوبة بالسين. ومعنى الكلمة «المكان المقدس». ولفظها الاسباني بعيد عن الاثنين في اي حال.

يعلم صاحب الرسالة من نيويورك، كما يعلم تلاميذ الروضة والابتدائية والتكميلية والثانوية، ان الكتابة الاملائية كتابتان: القرآنية، وهي لا تمس، وغير القرآنية، ومنها كلمة قرطبا، التي من الانسب ان تكتب بالالف احتراماً للفظ والمعرفة. لقد ترجم سليمان البستاني «الالياذه» الى العربية، فكتبها مرة بالهاء ومرة بالتاء المنفصلة، ولم يكتبها بالالف، وذلك لاحكام الاستنساب، كما في فرنسا او فرنسة. فعندما يحكم الاسم الاعجمي فهو يحكم، يا سعادة المعلم. فأنت لا تقول مثلاً «وصل الى برتغال» او «الى برازيل» بل تسبقها بآل التعريف. وبالعرف نفسه انت محكوم بالا تسبق «ايران» بآل التعريف، الا اذا كان المتبع في المسألة هو افضالك على العلوم وحرصك على معارف الآخرين. ويعترض السيد حميدة ايضاً على استخدام «البوسنة» بدل «بلاد البشناق». واعترف انني منذ انفجار احداث البوسنة وانا استخدم «بلاد البشناق». الى ان قال لي زميل كريم ان اجدادنا كانوا يملكون الكثير من الوقت فلماذا لا نقول نحن «البوسنة» او «البشناق» ولماذا لا نزال نصر على «بلاد الشيشان» بدل «الشيشان» وماذا سنخسر اذا فعلنا وماذا سيخسر الشيشان اكثر مما وقع لهم من ظلم ودمار وخراب وقتل وتهجير. وهم ليسوا في حاجة الى من يميز بين «بلاد الشيشان» و«الشيشان» او بين «البشناق» و«البوسنة» ولا الى من يقرر اعادة الناس الى المدارس الابتدائية بسبب ابدال تاء قرطبا بالألف، كأنما حوّلنا الاسم من العربية الى العبرية، او كأنما محونا «رثاء الاندلس» من التراث بمجرد ان قاربنا اللفظ الاصلي، فكان ان هاج السيد حميدة من نيويورك ولم يبق شيئاً من حوله الا و... رفضه.