«سيب.. وأنا أسيب»

TT

ازمة غوشة، هي عنوان صارخ على حساسية الوضع الاردني سياسياً واجتماعياً وجغرافياً، وهي الحساسية التي تجب دراستها بدقة للتعاطي مع السياسات الاردنية. في الاردن اكبر تجمع فلسطيني، وهذا التجمع له اهتماماته المشروعة، ورغبته في مساعدة اهله داخل فلسطين، والاردن من جهته مقيد باتفاقية وادي عربة وغيرها من الاتفاقيات التي جعلت هامش المناورة الاردني صغيرا في التعاطي مع هذه المسألة.

الاردن حساس اقتصاديا وسياسيا مع الضفة والقطاع، فلقد تأثر الاقتصاد الاردني بشكل كبير بعد الانتفاضة، والوضع الاردني حساس اقتصاديا وسياسيا مع العراق، ولذلك يضع الاردن عينا على حلفائه الغربيين وخاصة الولايات المتحدة، وكذلك قرارات مجلس الامن، وعينا اخرى على ارضاء السلطة العراقية التي لديها اوراق مهمة في الاردن اهمها ورقة «النفط المدعوم» الذي يصله من العراق، ولذلك كان موقف الاردن من ما يسمى «العقوبات الذكية» في غاية الاحراج، خاصة ان المشروع يتضمن تعيين مفتشين جمركيين دوليين في الاراضي الاردنية، كما ان الاردن يرتبط مع العراق ببروتوكول تجاري، وهو تحفظ على الاقتراح الفرنسي بانشاء «شبكة الامان» والقاضي بتعويض جيران العراق في حالة قطع النفط عنهم لان ذلك يشكل استفزازا لبغداد، وفي مطار الملكة علياء تربض الطائرات العراقية منذ غزو العراق للكويت.

الاردن يرفض نشاط «حماس» باعتبارها منظمة غير اردنية، في حين يتغاضى عن نشاط حزبي البعث التابعين لبغداد ودمشق رغم ارتباطاتهما الخارجية، وذلك لحساسية الموقف. والاردن الذي يرفض نشاط قادة «حماس» يسمح بتحرك جورج حبش ونايف حواتمة داخل الاردن لاعتبارات معروفة.

ازمة غوشة، هي ازمة حساسية تشبه ما يسميه المصريون عراك الصعايدة، حيث يحتد المتخاصمون ويرتفع الصوت، ثم يصرخ احدهم بالاخر «سيب وانا اسيب»، لمعرفة كل طرف بظروف الطرف الآخر، ومعرفة كل منهما انه لا منتصر في المواجهة.

تقدير الوضع الاردني باعتباره لاعبا اساسيا في الصراع العربي ـ الاسرائيلي، هو واجب على كل من يتعاطى مع الشأن الاردني، وتوريط الاردن في صراعات اكبر منه ليس في مصلحة العرب، وليس من الشجاعة استغلال ظروف الاردن لإحداث بلبلة يعرف الجميع انها تضر بالجميع.