حتى لا تنفلت خيوط الأزمة الجزائرية

TT

كتب وقيل الكثير عن احداث منطقة القبائل الجزائرية منذ اندلاعها قبل اكثر من شهرين. لكن الازمة وان كانت قد هدأت نسبيا في الايام الاخيرة الا انها ما زالت تغلي تحت السطح وتنذر بما هو اخطر وأشد. في الوقت نفسه لا يبدو ان احدا من الاطراف النافذة في البلاد يعرف كيف يمسك بهذه الازمة من خيوطها ويحتوى تداعياتها ويجنّب البلاد شرخا يهدد وحدتها وقد لا تستطيع ردمه مستقبلا.

ثمة مؤشرات عديدة افرزتها الايام الاخيرة تدعو في مجملها الى التشاؤم حيال مسار الازمة، في المستقبل المنظور على الاقل. اولها اتهام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، اثناء جولته الاخيرة في البلاد، جهات خارجية لم يسمها قال انها تتحسر على «الفردوس المفقود». وواضح ان هذه «الجهات» ليست سوى المستعمر السابق فرنسا، التي كان يوظفها عادة، سواء عن حق او بدونه، بعض ساسة الجزائر وقادتها العسكريين المتنفذين شماعة يعلقون عليها كل آثام سياساتهم، التي لم تنجح في الخروج ببلد المليون شهيد من دوامة العنف والقتل والدمار الى فضاء الوئام والسلام والرخاء، الذي يستحقه بلد بمثل قدرات الجزائر وطاقاتها البشرية والمادية.

لكن السؤال الذي يطرحه هذا الاتهام هو: ماذا فعلت المؤسسة الحاكمة لقطع دابر هذا التدخل من «اولئك الحالمين باستعادة فردوسهم المفقود»؟ الجواب لا بد ان يكون: لا شيء باستثناء التصدي لـ«انتفاضة» البربرية بالذخيرة الحية وتحويل الشرخ جرحا لن يندمل بسهولة.

المؤشر الثاني كان ما اعلنه وزير الاشغال السابق في الحكومة الائتلافية عن واحد من اكبر الاحزاب البربرية ـ التجمع الوطني من اجل الثقافة والديمقراطية ـ قبل ايام من ان الانتفاضة البربرية الحالية لن تنتهي مثلما انتهت انتفاضة «الربيع الامازيغي» عام .1980 بل رجّح عمارة بن يونس، الذي انسحب حزبه من الائتلاف الحكومي احتجاجا على اسلوب السلطات في التعامل مع الاحداث، ان تتواصل «الانتفاضة» حتى سقوط المؤسسة العسكرية الحاكمة التي قدمت بدورها مؤشرا آخر يرجّح استفحال الازمة باعلانها قبل ايام، وفقا لمقربين من قيادتها، رفضها التدخل لقمع مظاهرات القبائل لانها تعتبر القضية «سياسية صرفة» وبالتالي فان تدخل الجيش قد تترتب عليه «عواقب وخيمة». واذا كان مثل هذا الاعلان ايجابيا، على الاقل في نظر القبائليين والمتعاطفين معهم، فانه يفيد كمؤشر ثالث على ان الازمة مرشحة لأن تستفحل. اذ ان هذا الاعلان جاء ليؤكد ما تردد عن خلافات بين الرئاسة وقيادة الجيش، مما يعني غياب الرؤية المشتركة والواضحة للاسلوب الذي ينبغي التعامل به مع الازمة.

اخيرا وليس آخرا، جاء البيان، الذي اصدرته الجماعة السلفية للدعوة والقتال بزعامة حسان حطاب، وهي الجماعة المنشقة عن الجماعة الاسلامية المسلحة. فهذا البيان الذي عرض على القبائليين «حليفا»، اقل ما يقال عنه انه «لم يكن متوقعا»، خلط ايضا اوراق الازمة الجزائرية التي يصر نفر غير قليل من المحللين على انها قبل كل شيء ازمة حول هوية الجزائر وانتمائها، تلك الهوية التي كانت حتى الآن تتنازعها الفعاليات الثقافية والسياسية البربرية وامتداداتها داخل مؤسسات الحكم، من جهة، والاحزاب «العروبية» وحلفاؤها «الطبيعيون» او «التكتيكيون» الاصوليون، من جهة ثانية. وحتى لا يتكرس الشرخ ويتعمق الجرح فإن المطلوب من ساسة الجزائر وعسكرييها التحرك عاجلا ومعالجة الازمة من جذورها، آخذين بنظر الاعتبار مطالب البربر، والا فان البلاد ستنزلق لا محالة الى هاوية ستكلفها أكثر بكثير مما تكبدته في السنوات العشر الماضية من دماء ودموع وخراب.