كفى عبثاً بالقضاء

TT

السودان مشغول بجرِّ المتهمين للمحاكم، من معلمة بريطانية باسم الاساءة للاسلام ومرة مبارك المهدي بدعوى تهديد النظام. ولا بد ان تكون ساذجا لتصدق ما قاله وزير الدولة للشؤون الخارجية السوداني السماني الوسيلة، مدعيا «استقلال القضاء السوداني ونزاهته، وأن الحكومة لا تتدخل في عمل القضاء، وعليها احترامُ ما يصدر عنه من أحكام». الحكومة لا تتدخل فقط بل تملي، وتسخر، وتلغي. ها هي مدرِّسة بريطانية مسكينة في طريقها من السجن الى الخارج، خارج السودان. الحكومة رمتها في التوقيف، وقررت محاكمتها، ثم سجنتها، وعطلت الحكم، وتحاول الآن ان تدَّعي البطولة بأنها التي أنقذت المدرِّسة من السجن، وفوق هذا تدعي ان لا علاقة لها بأحكام المحكمة. مسرحية سمجة لم تقنع احدا في السودان، او في بريطانيا، بدليل ان وزير العدل السوداني استمر يعترف بالحقيقة، ان الحكومة وراء المحاكمة بدعوى ارتكاب منكر. والقصة باختصار ان احد التلاميذ سمى لعبته على اسمه، واسم التلميذ محمد، وليس اسم الرسول عليه الصلاة والسلام. لكن في سبيل تهديد الحكومة البريطانية بالشارع الاسلامي وجدت السلطات السودانية في القصة فرصة لتثوير الغوغاء بدعوى مفتعلة.

هذه مشكلة بعض محاكمنا، فبعض القضاة لا يحترمون جلال مركزهم، ولا القضاء نفسه، ولا يحترمون حق الانسان الأول في العدالة. كما ان الحكومات لا تخجل من استخدام المحاكم لتصفية حساباتها مع خصومها، ثم تخرج وتتنطع بالحديث عن نزاهة القضاء، وعدم التدخل واحترام احكامه. القضاء ضاع بين قضاة مسيسين يستخدمون القضاء لغاياتهم وقناعاتهم، ومسؤولين يستخدمون القضاة أيضا لنفس الغايات. كان المألوف في السابق ان يقرر الحاكم من عنده ان يحاسب ويعاقب ويعفو، ويترك القضاء مصونا من الاستغلال السياسي. بكل اسف اتسعَ استخدامُ المحاكم كواحدة من وسائل التنازع السياسية حى باتت ظاهرة خطيرة لأنها تفتح على الجميع بابا يصعب اغلاقه.

ما حدث في السودان مخجل، ومعيب، وجريمة بحق المسلمين في كل مكان من العالم، ليس من قبل معلمة بريئة بل من قبل سلطة متورطة في نزاعات مع انظمة اجنبية وأطراف محلية. وفي كل مرة تريد تصفية حساباتها تقوم بإقحام القضاء. هنا استخدمت السلطات السودانية القضاء في لعبة جذب مع الحكومة البريطانية ضمن خلافها حول دارفور والقوات الدولية. وسبق ان لجأت من قبل لاستخدام القضاء ضد معارضيها، بمن فيهم الاسلاميون الذين دعموا انقلابها على الشرعية قبل 18 عاما. والقضاء السوداني استخدم خلال الفترة القليلة الماضية في محاكمة مبارك الفاضل المهدي وثلاثين آخرين في مسرحية جديدة لإرهاب ناقديها. وكان اعتقال مبارك المهدي آخر الصدمات. فهناك شبه اجماع على ان مبارك، القيادي في حزب الأمة (التجديد والإصلاح)، من اكثر السياسيين السودانيين توجها نحو المصالحة، ونبذا للعنف، وأكثر منتقديها مسالمة، مع هذا وجدت فيه السلطات ضحية سهلة.

اساءت الحكومة السودانية للمسلمين في انحاء العالم بتوجيه تهم كيدية للمرأة البريطانية مستغلة اسم الاسلام، وتسيء للمواطن السوداني باتهام مبارك المهدي ورفاقه، وتسيء للنظام العدلي باستغلال ما يُفترض انه أقدس المؤسسات، ألا وهو القضاء.

[email protected]