آكل الفطير يتكلم

TT

أتاني وقد كانت روحي (ترهقها قترة) وعلى قسمات وجهي الكثير من (القتامة)، كانت كبدي بالفعل لا بالمزح (منديّلة)، وأجفاني التي لم يداعبها النعاس طوال (24 ساعة)، كانت تلك الأجفان التعيسة (دبلانة وهفتانة وقرفانة وطهقانة) كمان.

واحترت في نفسي ومع نفسي، لأنني لم أكن ذلك العاشق المتيم الذي أنطرح غرماً على مذبح الحب، فطار النوم منه فراراً وأخلى مكانه للدموع.

لا أبداً، فلست انتمي لا من قريب أو بعيد لقبيلة العشاق المتيمين، فمبدئي الذي ارتضيته لنفسي وكتبته (بالطباشير) على لوح اسود، وعلقته على باب منزلي من الخارج، هو ذلك المبدأ الخالد: (كل فطير وطير).

لهذا وفي كل يوم تقريباً ـ وأحياناً (إذا غلبت الروم) كل أسبوع ـ آكل من الفطير ما يتيسر لي ثم أفرد جناحي بالهواء وأطير وأحلق بل وأتقلّب في كبد السماء حمداً وشكوراً.

وازدادت حيرتي بمصابي هذا الذي لم أتعود عليه، فحياتي كلها كانت ماشية (عال العال وآخر السطا) وماذا جرالي؟! لم كل هذه (الدراما)؟! أي نفق مظلم دخلت فيه بدون (فرامل)؟!

لا حول ولا قوة إلاّ بالله، إنني بجد بدأت أشفق على حالي، فلست استاهل كل هذا الأسى، كما أن قدراتي محدودة جداً على التحمل، ولا أطيق شدائد الأمور، ومن الممكن جداً أن اغرق في شبر من الماء الآسن.

أمعنت النظر، وقدحت زناد فكري، واستعرضت كل مآكلي ومشاربي وتصرفاتي، فقد يكون هناك شيء ما منها قد اخل بأعصابي وأمزجتي (وعقلياتي) من جرائها.. ولكنني للأسف لم أجد هناك أي أمر مثير أو (ذي بال).. وفيما أنا في هذا الخضم المرهق من التفكير، وإذا بي أتذكر انه قد مضى علي الآن أكثر من شهر كامل لم أكل فيه ولا فطيرة، فقفزت وصرخت قائلاً مثل ارخميدس «وجدتها، وجدتها»، وذهبت راكضاً إلى اقرب مخبز وأكلت بدلاً من الفطيرة الواحدة ثلاث فطائر ساخنات، واعتقدت انني حللت عقدتي، وأنهيت أزمتي وذهبت بالغم من نفسي.. غير أن هذا كله للأسف لم يتحقق واكبر دليل انني منذ الأمس وها هي الساعة الثالثة صباحاً ولم انم بعد ولا زلت (بالبيجامة)، وقدمي حافية، ويدي على خدي.

فسألني من أتاني عندما شاهدني وأنا على هذه الحالة البائسة، حيث انه لم يعهدني إلاّ مرحباً وهاشاً باشاً (طلق الحجاج والمحياّ)، سألني قائلاً: مالك يا مضروب؟!.

أجبته: إنني حزين، قال: من ماذا؟!، قلت: الله اعلم، قال: هل أنت مريض؟!، قلت: لو كنت كذلك، لدعوت الله بالشفاء، قال: هل أنت عاشق؟!، قلت: لدعوت الله بالوصال، هل أنت غريب؟! ـ لدعوت بالرجوع للوطن، هل أنت سجين؟! ـ لدعوت بالحرية، هل أنت مظلوم؟! ـ لدعوت بالعدل. رفعت يدي وأسكته من التمادي في سؤالاته، لأنني أحسست أنني تعبت من الإجابات، غير انه لم يحترم رفعة يدي لأنه واصل كلامه قائلاً: إنني لا أستطيع أن أقول عنك انك مجنون لا أبداً تكرم، انك يا صاحبي معتوه، وأنا اعرف الناس بك، فأنت تبحث عن السعادة حتى في (أذناب الكلاب).. والسعادة يا عزيزي تتلخص في امرأة تحبها، وبلد تحبه، وتشتغل في عمل تحبه.

وعندما توقف عن الكلام، نظرت له نظرة منكسرة وحزينة، واحنيت رأسي.

ولازلت حزيناً.. إهئ، إهئ.

[email protected]