الفكر السادس

TT

في المنامة لحضور مؤتمر الفكر العربي السادس. لكن قبل الدخول بكم إلى قاعات المؤتمر ومناقشات قضايا العولمة، دعونا نتوقف عند كلام غير مألوف في السياسات العربية قاله رئيس وزراء البحرين الشيخ خليفة بن سلمان. هذا الرجل قال باسم الدولة ما تردده الناس همساً في المنازل والمكاتب. قال إن التجمعات الطائفية تزعج البلد وتقلق الضمائر. وقال المفروض أن نرحب بكل تجمع وطني، لكن عندما يكون هذا التجمع فئويا، سنيا أو شيعيا، وليس تجمعا وطنيا عاما ومجردا، فهو دليل سيئ لا يرتضيه أحد.

وهذه أول مرة يتحدث مسؤول خليجي على هذا المستوى عن الطاعون الذي بدأ يضرب المنطقة قبل سنين. الصحف الجديدة تتجمع خلف طوائفها لا خلف وطنها. والنوادي ترفع أعلام المذاهب. والكتل النيابية تتخذ هوية الطائفة لا هوية الوطن أو الناس.

لا تستطيع دولة صغيرة مثل البحرين أن تتغاضى عن مظاهر الفرقة وهي كثيرة. ومنذ سنوات كلما التقيت الشيخ خليفة في مكتبه يقول إننا نخاف رياح السموم التي سوف تهب علينا من فتنة العراق. وكان يقول الحرب تلوث البيئة بالبارود وتلوث القلوب بالحقد. ونحن سوف نفعل ما نستطيع لكي نحمي بلدنا من آثار التلوث. وكنت أظن أن الشيخ خليفة يبالغ. وأحيانا أظن أنه يرى ما لا نرى. وعاما بعد عام كان يتحدث عن التخوف من آثار العراق، إلى أن شاهدنا جميعا كيف انتقل التلوث إلى بلدان الخليج في مظاهر كثيرة وتحت عباءة الديموقراطية. وكان الشيخ خليفة يقول إن الديموقراطية لا تسقط بالمظلات ولا تنبت على رؤوس الشجر. إنها عقد اجتماعي بين الناس حول تطوير الأعراف والتقاليد وتوسيع سبل المشاركة في بناء الدول والأمم. وعلينا أن نستفيد من تجارب الغير، لكن ليس علينا أن ننسخ هذه التجارب. وأمس كان يقول: لقد تطورت ديموقراطيتنا بهدوء. والشعب هو مَن يقيم مدى الارتياح إلى الممارسة. لكن البحرين ليست في سباق أو منافسة مع أحد. إنها تريد التقدم على نفسها، والتحرك ضمن إمكاناتها وظروفها وضمن إطارها المجتمعي.

وخرج الشيخ خليفة عن المألوف السياسي مرة أخرى عندما تحدث عن تعافي الملك، الشيخ حمد بن عيسى. وقال إن عدم إطلاع البحرينيين على العارض الصحي الذي ألمّ بالشيخ حمد كان خطأ أدى إلى انتشار إشاعات أقلقت الناس. لكن الحالة الصحية عادت إلى طبيعتها. والملك ذاهب إلى الدوحة لحضور القمة. أولا، لأنه لا يريد أن يُقال إن غيابه عن قمة تعقد في قطر هو غياب صحي، وثانياً لأنه يريد أن يطمئن شعبه ورفاقه من قادة المنطقة إلى أن الأزمة الصحية قد عبرت. أما الأزمات السياسية فهي مضيعة لوقت الجميع.

إلى اللقاء