القيادة .. ومستقبل التنمية

TT

تظل التنمية هي قضيتنا الأولى في دول الخليج، كما هي قضية كل المجتمعات في الدول النامية. إلا أن اختزال التنمية في الجانب المادي الاقتصادي فقط، وإعطاء هذا الجانب الحظ الأكبر من الاهتمام والتركيز، يزيد من صعوبة تعزيز التنمية، وينتج كثيراً من الآثار السلبية.

وإلى سنوات قريبة، كان العالم قائماً على التوازن والتنافس بين (ايديولوجيتين) متنافرتين، هما الشيوعية والرأسمالية، ثم انهارت الشيوعية، لتقف الرأسمالية ـ صاحبة آليات السوق الحر، والمؤسسات ـ وحدها في الميدان، مما يحتم على الدول النامية (على الرغم من تفاوت دخولها الاقتصادية) أن تتلمس طريقاً جديداً للتنمية، في ظل ظروف متغيرة، وفي ظل عولمة الاقتصاد، وثورة الاتصالات، وتنافسية الأداء بين الدول، بصورة لم يشهد التاريخ لها مثيل من قبل.

وإذا كان العالم هو تاريخ اقتصادي، فإنه ـ قبل كل شيء ـ تاريخ إنساني أيضاً. ومع التطور (التكنولوجي) المتسارع فإن كل ما يتحقق من نمو اقتصادي، لا بد أن يسبقه تنمية اجتماعية وتقنية، تواكب، وتتعامل مع هذا التطور والنمو.

وللإرادة السياسية ـ في دول الخليج ـ دور مهم في خلق البيئات المناسبة للتنمية المتكاملة وضمان استمراريتها، لعل من أهم تلك البيئات بيئتين:

احداهما: البيئة التقنية وتطبيقاتها، من خلال الإبداع في سياستها التنموية، والربط بين الوظائف الحكومية التخطيطية والرؤية الاستراتيجية للتنمية، تلك الرؤية التي تركز على دور الإبداع التقني، وتشجع الدراسات العلمية، ذات الطابع التكنولوجي التطبيقي. وفي ظل غياب هذه الرؤية ستنظر تلك الدول ـ ومؤسساتها الإدارية ـ إلى الاستثمار في مجال العلوم والتقنية، على أنه كلفة إضافية، وزيادة في الأعباء.

ثانيتهما: البيئة الاجتماعية، وذلك أن العوامل الاجتماعية، والثقافة السائدة في الدول الخليجية، تتدخل كثيراً في سلوك الأجهزة الإدارية، بل إن تأثيرها يتجذر في الفرد المسؤول، مما يجعل تعديل تلك السلوكيات أمراً في غاية الصعوبة، وينعكس ذلك على العمل الإداري، الذي يؤثر تأثيراً كبيراً في أداء الاقتصاد، وتحقيق التنمية المتكاملة، سواء في وقت الإنجاز، أو دقته، أو الاحتراف فيه، واحترامه.. إلخ.

ومن يتأمل دول الخليج خلال العقود الماضية، يجدها حققت تقدماً اقتصادياً هائلاً، لا يمكن أن ينكره أحد. لكن من الصعب أن نحدد ما إذا كان بإمكان هذا النمو أن يستمر ويزداد، في ظل التذبذبات الفكرية، وتهميش البحث العلمي، وضعف التنمية الاجتماعية، والسلوك الإداري المعيق!

ووجود القيادات الإدارية ـ المدركة لأهمية تلك البيئات ـ على رأس الهرم الإداري يعد أمراً في غاية الأهمية؛ لتتمكن دولهم من تعزيز تقدمها التنموي، بعد أن تسن القوانين والأنظمة الصارمة وتتابع تنفيذها مع وجود الإرادة السياسية الحازمة في المتابعة والمحاسبة.

هذا إذا ما أرادت ـ تلك الدول ـ أن تعالج كثيراً من مشاكلها التنموية، كالبطالة، ورداءة الإنتاج، وضعف التنافسية، وغيرها.

* كاتب سعودي

[email protected]