مصالحة الدوحة داخلية

TT

يقول المسؤولون في مجلس التعاون إن أهم ما ميز قمة الدوحة انها اعلنت، بعد 28 سنة من القمم المنتظمة جدا، عن قيام السوق المشتركة بينهم، كأول سوق جماعية في المنطقة. لكنها في واقع الأمر موجودة على الأرض بحكم التفاعل الطبيعي بين اقتصادات الدول الست. ويقولون إن اهميتها جاءت في استضافة رئيس ايران، احمدي نجاد، الذي جاء شخصيا وعرض 12 بندا للتعاون. مع ذلك أشك في ان يتحقق التعاون في أي من البنود المقترحة. السبب في نظر الجالسين أمامه أنه سيكون مثل تعاون الذئب والحملان. فكل دولة خليجية متيقنة أن الذئب الايراني يريد الانفراد بها تحت شعار الأسلام والجيرة ونبذ الاجنبي.  وإذا لم يكن التقارب الايراني ناجحا في الدوحة، والسوق الخليجية المشتركة ليست جديدة، فإن المهم في القمة في الحقيقة كان التصالح الخليجي ـ الخليجي نفسه. والكل يتمنى ألا يكون تراضيا تكتيكيا بين السعودية وقطر بعد ان انسكب الخلاف بين الجارتين على معظم زوايا المنطقة، ووصل اليمن والصومال ولبنان وفلسطين. وهو خلاف لا معنى له، بمقاييس النزاعات في المنطقة. والحق يقال إنه، رغم استمرار وتبدل الخلافات الخليجية ـ الخليجية، إلا انها لم تمنع قط مسيرة المجلس، ولم ينسحب عضو فيه رغم الاشتباكات السياسية الحادة، وشبه القطيعة التي بلغت حد سحب السفراء. كان الخلاف «حضاريا» التزمت فيه الدول بالتعهدات واحتفظت بحق الاختلاف، كل بلد على طريقته. ولا بد ان يقال إن السعودية، رغم كونها الدولة الكبيرة في المجموعة، لم تتصرف وهي طرف في الخلاف، وفق حجمها، ووفق ما جرت عليه ممارسات الدول الكبيرة في حسم خلافاتها، بفرض مبدأ القطيعة الجماعية او العقوبات الموجعة.

وتبقى مشكلة الخليجيين ليست الاختلاف السياسي بل التعاون المشترك. ففيها أنظمة متشابهة قابلة للاندماج السريع لكنه تشابه سلبي، في بعض الاحيان. تتميز بمداخيل كبيرة، باقتصادات تعتمد كثيرا على الاستيراد والعمالة الاجنبية. كما يتشابه مواطنوها في مشاكلهم. يعانون من بطالة تتزايد لأن ما يعرض لهم في السوق وظائف بسيطة يرفضونها، ومعهم كل الحق في رفضها لأنها ذات مداخيل متدنية جدا، وفي نفس الوقت السوق مكتظة بالعمالة الاجنبية الرخيصة، والحكومة مكتظة بالعمالة المحلية غير المنتجة. لأنهم يعانون من ضعف الكفاءة، بسبب سوء التعليم، تضطر الحكومات الى توظيفهم لأسباب سياسية من اجل إسكاتهم. ومع هذا ستكبر مشكلة البطالة المحلية مهما بددت الحكومات من اموال في توظيف مواطنيها في بطالة مقنعة.

وسيبقى التجمع الخليجي السداسي قويا في اقتصاداته، ومنضبطا في خلافاته السياسية، وحكيما على مستوى قياداته، ومستمرا في مشروعه التكاملي، لكنه سيظل ضعيفا على المستوى الشعبي وسيستمر مجلسا للحكومات. السبب أن المجلس يعكس النظام السياسي الخليجي، حيث تقوم فيه الدولة بواجبات الرعاية الأبوية التي تتجاهل مد يد المشاركة السياسية الى الناس في الشارع. النظام الخليجي السياسي يقوم على تحقيق البحبوحة الاقتصادية، كما عبر عنه مشروع السوق الخليجية المشتركة، ويظهر جليا في نجاحات الدول اقتصاديا، لكنه لا يفكر في ما هو أبعد من ذلك.

[email protected]