لا استقرار في لبنان قبل استرداد الجولان

TT

إذا سارت الامور في لبنان، حسب الوعود الاخيرة وجرى اتفاق الاطراف «المتصارعة» على القبول بقائد الجيش الجنرال ميشال سليمان مرشحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية، وكي يتجنب لبنان خضات في المستقبل، وهذا لن يحصل طبعاً، نقترح على المرشح الجنرال ان يطلب تواقيع كل المعنيين مسبقاً، وبالذات النواب، بأن احداً لم يهددهم او يجبرهم على تعديل الدستور اولاً، وبأن احداً لم يهددهم ويفرض عليهم انتخاب الجنرال سليمان ثانياً. وبالمقابل، وقبل ان يصبح الجنرال رئيساً من الأضمن ان يوّقع هو الآخر مسبقاً، بأنه لن يطلب ولن يقبل ولن يرضخ لأي ضغط عندما تنتهي سنوات رئاسته الست، بأن يُمدد له ولو ليوم واحد، عله عندئذ نبدأ كلبنانيين في احترام الدستور الذي تكاد عبارة «لمرة واحدة فقط» تصبح من بنوده الرئيسية.

وقبل ان يبدأ التهافت على الحصص وعلى وضع الشروط من كل طرف لتعجيز الطرف الآخر، او لإضعاف لبنان اكثر وأكثر، على كل الاطراف الاعتذار من الوطن ومن الشعب اللبناني. كل طرف «كان ينتظر في الظلمة» الطرف الآخر كي يفاجئه بما لديه من عصي فأوصلوا جميعاً لبنان الى حافة الهاوية.

ومن سخرية القدر ان الموالاة والمعارضة يتسابقان لتبني الخيار الذي اقترحه الرئيس السابق اميل لحود. فهو كان اقترح ان يكون الجنرال سليمان رئيساً لحكومة ثانية، رفضت المعارضة الفكرة ورفضها ايضاً الجنرال نفسه على اساس اذا كان هناك من اتفاق حول اسمه فليكن كرئيس للجمهورية، ومنذ شهر تموز (يوليو) الماضي والموالاة ترفض اسم سليمان. وقبل ان يغادر لحود القصر الجمهوري سلم «مقاليد» الأمن للجيش الذي على رأسه الجنرال سليمان، والآن السباق بين المعارضة والموالاة على من يقول انه صاحب الفضل، اذا كان لا يزال هناك من «افضال محلية» لإنقاذ البلاد وليس لإنقاذ النفوس، بإيصال الجنرال سليمان الى سدة الرئاسة.

نترك الاطراف في الداخل مأخوذين في حمى التنافس على الحقائب والوعود، ونتمنى على الجنرال الذي يمكن ان يصبح رئيساً ان يفكر بوضع قانون ينص على محاكمة كل شخص تعاون مع دولة غير الدولة اللبنانية، ضد لبنان، لأن هذا التصرف هو بمثابة خيانة، وايضاً العمل على تحييد لبنان قبل ان يموت.

هناك اصوات لبنانية كثيرة ليست مع الموالاة في المطلق وليست ضد المعارضة في المطلق، لكنها تطالب بتحييد لبنان. ويُعتبر البروفسور فيليب سالم ابرزهم، اذ يقول «ان لبنان هو حضارة اكثر مما هو كيان سياسي وبالتالي يجب ان يكون مُحيداً عن كل المحاور الدولية، بأن لا يكون مع روسيا ضد اميركا، او مع اميركا ضد روسيا، او مع اوروبا ضد اي دولة اخرى، ويجب تحييده سياسياً عن المحاور العربية ـ العربية، والإقليمية (اي ايران)».

ويطرح البروفسور سالم ان يبقى لبنان ملتزماً بالصراع العربي الاسرائيلي من خلال الجامعة العربية، اي يقوم بما يجب عليه من ضمن التزاماته بميثاق الجامعة وليس كما هو عليه الحال الآن حيث المطلوب منه كل شيء: «شن الحرب على اسرائيل ودفع الثمن الباهظ لذلك». ويضيف: «ان لبنان هو الوحيد الباقي رهينة الصراع العربي ـ الاسرائيلي، بينما الدول العربية الاخرى خرجت كلها من اسر هذا السجن».

هذا هو الحياد السياسي الذي يطالب به الكثير من اللبنانيين، لكن حضارياً يجب ان يبقى لبنان مرتعاً للحضارة العربية. ان مأساة لبنان في جغرافيته، تحده سوريا من جهة، وتعتبره جزءاً سُلخ منها وتريد استرجاعه. ومن جهة اخرى هناك اسرائيل التي لا تريد نموذجاً حضارياً على حدودها كلبنان، ولأن اللبنانيين ليس بإمكانهم تغيير الجغرافيا فيجب ان تكون لدى القادة في لبنان استراتيجية للوصول الى لبنان الذي نريده. وكما يقول البروفسور سالم: «نحتاج ان نكون واقعيين لا نستطيع ان نطالب بسيادة وحرية واستقلال لبنان من منطلق العداء لسوريا. هل هي من تقف وراء جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه؟ على الارجح نعم، انما هناك محكمة دولية تهتم بالموضوع، وتعرف سوريا ان لا مجال لإلغاء المحكمة.

ويضيف: «ان المطلوب من حلفاء اميركا في لبنان الضغط على واشنطن لفتح حوار مع دمشق. ان المحكمة الدولية لصالح لبنان، لكن ما الضرر اذا حاورت اميركا سوريا، ليس على حساب لبنان انما لدعم الاستقرار فيه».

هناك بين اللبنانيين من يقول ان سوريا مع الابقاء على الفراغ الرئاسي في لبنان عدة اشهر كي تضغط على واشنطن حتى لا تترد في فتح حوار معها، لذلك يناسب لبنان ان تشمل عملية السلام سوريا، فإذا عاد الجولان اليها تفقد المبرر للتدخل المستمر في شؤونه.

ايضاً، لدى اللبنانيين قناعة راسخة بأنه اذا تم تخيير سوريا بين لبنان والجولان لاختارت لبنان، لكن من اجل احباط ذلك الخيار، كما يقول سالم، «على اللبنانيين مساعدتها لإعادة الجولان. ان تطالب بالجولان فهذا من حقها، لكن ليس من حقها ان تأخذ لبنان رهينة لتطالب بالجولان».

وإذا كان لبنان متجهاً الى مرحلة جديدة مع رئيس جديد لا بد من الاعتراف بأن من مشاكله الكبرى ايضاً ان «حزب الله» ارتضى ان يكون لديه جيش، وان يطالب بدولة اقوى من الدولة، وليس معروفاً كيف سيقبل قائد الجيش الذي سيصبح رئيساً للجمهورية، بأن يكون هناك حزب مسلح قوته بصواريخه اقوى من قوة الجيش النظامي! حسب البروفسور سالم: «يمكن تفكيك ذلك «الجيش» عبر التفاوض بين اميركا وسوريا. اميركا تعيد حق سوريا، وبالمقابل توقف سوريا دعمها لـ«حزب الله» و«حماس».

يتألم البروفسور سالم كون علة لبنان الاولى في عدم الولاء له والسبب: «ان اللبناني تاجر، ويتاجر بكل شيء حتى بوطنه، لكن لم تأت قيادة سياسية الى لبنان تبلور معنى لبنان ومعنى ان يكون وطناً. ان الشعب اللبناني عظيم تحّمل اشياء لا يتحملها شعب آخر، لكنه سياسياً غير ناضج، انه شعب فوضوي يؤمن بالزعيم بدل الايمان بوطنه»، لكن لا خوف لدى سالم من هجرة اللبنانيين، اذ هناك حسب رأيه فكرة خاطئة بتعريف: ما هو شعب لبنان؟ ليس فقط الاربعة ملايين داخل لبنان، بل كل لبناني يحمل جواز سفر لبنانياً، وهذا يجب ان يكون له حق الانتخاب في السفارات اللبنانية (كما من حق السوري ذلك).

ان فتح حوار اميركي وعربي مع سوريا يمكنه ان يزيل الكثير من العقبات من امام الرئيس الجديد الذي كان من الافضل ألا يوصف بالتوافقي، لأن كلمة «توافقي» اخترعتها سوريا لتعطي حق الفيتو لـ«حزب الله»، بمعنى ان اي مرشح لا يريده الحزب، لا يكون توافقياً وبالتالي لا يمكنه الوصول. وكان من الافضل القول ان الرئيس المطلوب هو القادر على بناء افضل العلاقات مع سوريا، وهذه العلاقات لا تقوم الا بترسيم الحدود بينها وبين لبنان وتبادل السفارات واعتراف بنهائية لبنان كوطن وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.

البروفسور سالم الاختصاصي في مرض السرطان يتمنى ان يتقن الرئيس الجديد الحوار مع العالم لأن قصة لبنان دولية وجذورها لم تبدأ هكذا: «ان مرض السرطان اذا اكتشفناه في بدايته يمكن استئصاله فيشفى المريض، اما في حالة لبنان الآن فانه منتشر في كل الجسم وليس هناك الا الحل الدولي. انا اول من قال ان الحل في لبنان هو الشرعية الدولية، وعندما قلت هذا الكلام في «انطلياس» بمؤتمر «الحرية»، ثار علي من هم مع الشرعية الدولية الآن». ويضيف: «الرئيس المطلوب يجب ان يتقن جذور المشكلة اللبنانية، ويتقن الحوار مع العالم، ويعرف كيف يقنع اميركا وأوروبا ويتحادث مع سوريا وإيران، لأن المشاكل الاقتصادية والأمنية في لبنان اعراض لمشكلة اخرى، مشكلة سياسية».

لكن، الحوار بين أميركا وسوريا هو عملية طويلة فكيف يمكن في هذه الاثناء للشرعية الدولية ان تحمي لبنان؟ يجيب البروفسور سالم: «لو لم تكن لدينا الشرعية الدولية لكان لبنان انتهى. إن ما يحمي لبنان الآن هو الشرعية الدولية الممثلة بالقرارين 1559 و1701، ووجود قوات دولية على الحدود يجعل العالم مهتماً بلبنان، لو ان لبنان متروك لوحده لكانت سوريا ابتلعته منذ زمن. ليست جامعة الدول العربية هي امل لبنان، انما الشرعية الدولية الممثلة بالامم المتحدة ومجلس الامن».

ان الطريق الى الاستقرار في لبنان والى انتخاب رئيس للجمهورية يمر من خلال الشرعية الدولية وأميركا، وعلى اللبنانيين ان يضغطوا على الامم المتحدة كي تضغط باتجاه الحوار بين اميركا وسوريا. وما دامت سوريا غير راضية عن وضعها ومحصورة في الزاوية المنعزلة فإنها ستثير المشاكل في لبنان. ان لبنان رغم اهتمام العالم كله، رهينة سوريا، هو يحتاج الى استراتيجية ذكية، وتشغيل العقل وليس العاطفة، للوصول في النهاية الى النور، والاستقلال والسيادة والحرية!