القمة الخليجية.. والمشاركة النجادية

TT

يجوز تشبيه مشاركة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في القمة الثامنة والعشرين لـ«مجلس التعاون الخليجي» (يومي 3 و4 ديسمبر ـ كانون الاول 2007) بشخصية مرموقة جارة باغتت جلسة عائلية كان الافراد خلالها يتداولون في اوضاعهم وكيف سيتم ترتيب هذه الاوضاع بما يحقق الطمأنينة والاستقرار، ولم يجد هؤلاء سبيلاً لإبلاغ هذا الطارق بابهم ان الوقت غير مناسب لغير شُرْب فنجان قهوة او «استكانة» شاي، ليس ضيقاً به وإنما لأنهم يفضلون الهدوء في معالجة شؤونهم بعيداً عن اي صخب.

المشاركة النجادية في القمة كانت نوعاً من الإقحام. ومن الواضح استناداً الى بعض التصريحات لمسؤولين خليجيين ان الرئيس نجاد دعا نفسه الى المشاركة في هذه القمة. وكان وزير خارجية الامارات الشيخ عبد الله بن زايد صريحاً عندما قال إن ايران هي التي طلبت عن طريق دولة قطر دعوة رئيسها للمشاركة في القمة وهو قول يتقاطع مع قول الامين العام لمجلس التعاون عبد الرحمن العطية المضطر لظروف خاصة لمسايرة الرغبة القطَرية وعملاً بتغليب رغبة بلده قطر على اي تحفظات «إن دعوة نجاد جاءت برغبة خليجية مشتركة». بل ان وزيراً خليجياً طلب عدم ذِكْر اسمه قال إن بعض دول المجلس علمت بالزيارة من خلال وسائل الاعلام. ومن الجائز تفسير ارتضاء الجميع بالزيارة النجادية، بأنه من البد الذي لا بد منه ما دامت الرغبة أُبديت ولأنها من الرغبات التي لا يمكن سوى التجاوب معها، اذ كيف يطلب رئيس اكبر دولة في الخليج، اي ايران، المشاركة ولا يقال له أهلاً وسهلاً وعلى الرحب والسعة؟ وكيف يمكن التكهن بدوافع المشاركة؟ وهل ان الرئيس الزائر سيكون مجرد ضيف شرف في القمة يزيل بحضوره الكثير من التحفظات في شأن الدور الايراني بكل منطلقاته ونوازع بعض رموز القرار داخل النظام الثوري؟ وهل هو آت حاملاً مفاجأة سارة في شأن الجزر الاماراتية الثلاث المحتلة لجهة الجلاء عنها، وفي شأن الاقتراح الخليجي في شأن المركز النووي للتخصيب في دولة محايدة مثل سويسرا لجهة القبول به درءاً للمخاطر؟

لقد بدت الإطلالة النجادية موضع ترحيب بعد وصول الرئيس الايراني الى بهو قاعة المؤتمر. وكان توجُّهُه بعد ذلك الى القاعة يمسك بيد الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يمسك السلطان قابوس باليد الاخرى للملك لافتاً. لكن الامور تبدلت تماماً بعدما باغت الرئيس نجاد قادة دول المجلس بما هو اكثر من الكلمة التي تناسب الاصول بين الضيف والمضيف، فقد بدأ يقرأ في خطاب من الواضح انه لم يتم وفق ما هو متبع في مثل هذه الحالات توزيع نُسخ مسبقة منه على القادة المشاركين بعد ترجمتها الى العربية كون الرئيس يتحدث بالفارسية. وكان واضحاً التبدُّل المشار اليه لأن القادة لم يكونوا مرتاحين لضيفهم وهو يتلو عليهم محتوى سلَّته التي تضم 12 اقتراحاً ليس هنالك استعداد، على الأقل في ظل المشهد الايراني النووي والثوري الراهن وعراكه المتواصل مع المجتمع الدولي، للتجاوب معها وبالذات ما يتعلق بالمؤسسات الامنية المشتركة تحت عنوان «منظمة للتعاون الامني بين دول المنطقة» وإلغاء التأشيرات بهدف تسهيل تنقُّل المواطنين، فضلاً عن امور تتعلق بالتملك العقاري والاستثمارات والقضايا الاقتصادية والمالية لم تُحسم اصلاً بين دول المجلس لكي يكون هنالك قبول بها مع ايران.

ولو أن الرئيس نجاد نحَّى جانباً هذه الامور وركَّز على الأجدى والممكن الأخذ به مثل تبادُل المصالح التي لا تفرز حساسيات وتأمين مياه الشرب والاحتياجات من الغاز الايراني لدول الخليج، لكان ربما لقي ارتياح الجمع الخليجي العربي. كذلك كان حرياً بالرئيس نجاد ما دام ضيفاً برغبته ومن دون دعوة تأتيه من الامين العام للمجلس نيابة عن الدول الاعضاء ان يتفادى صفة «الفارسي» ويكتفي بكلمة «الخليج». أما ان يدعو الى ما دعاه وهو يُستضاف في قمة لـ«مجلس التعاون لدول الخليج العربية» مستعملاً الصفة الفارسية للخليج، ففي ذلك نوع من الاستهانة بالحاضرين.. مع ملاحظة ان هؤلاء عندما أسسوا مجلسهم فلكي يواجهوا به الهجمة الايرانية التي استهدفت وضع اليد عليهم بعد تفريس العراق الصدَّامي اذا امكن وإسقاطه في تلك اليد. وهذا له معطيات اخرى مع حيثيات من نوع يطول الحديث في شأنه.

ونخلص الى القول إن الرئيس نجاد خطف الضوء في القمة الخليجية الثامنة والعشرين وإلى حد أنها بدت قمته هو.. أو فلنقل النجم الساطع فيها بسبب طروحاته المباغتة او سلَّته التي ارادها خطوة تقيه ربما احتمال حصول ضربة عسكرية للجمهورية الاسلامية في ايران. وكأننا به في زيارته المباغتة يريد التمويه او ربما التبرير في حال ان الضربة ستحدث وسترد عليها ايران في كل الاتجاهات وبالذات تلك التي يطلب منها الرئيس نجاد التعاون مع بلاده امنياً واقتصادياً وبشراكة استراتيجية، وهو أمر طالما تمنَّاه رئيس عربي لبلد عربي ونعني به صدَّام حسين ولم يحصل عليه، ويتمناه منذ سنوات رئيس عربي لبلد عربي ونعني به علي عبد الله صالح ولا يحصل عليه. وعندما يكون الأقربون ليسوا أَوْلى بالتجاوب وهم هنا العراقيون واليمنيون حيث الارض ممتدة واللغة واحدة والمصير مشترك ولا مياه الخليج تفصل كما الحال مع الجار الايراني، فكيف سيكون هنالك ترحيب بالعروض النجادية التي رماها الرئيس الشغوف بالتحدي على طاولة قمة الدوحة وغادر تاركاً هنالك الكثير من التساؤلات حول مغزى دعوة قادة دول مجلس التعاون الى لقاء يُعقد في طهران بحيث يترأسهم جميعاً وحول سيناريو الدعوة... والكثير الكثير من انشغال البال حول نوعية التصدير الجديدة للثورة الايرانية.