ثمة ما يفزع

TT

احتار الكثيرون في ما يسمون حال العالم بعد انهيار الشيوعية. قال فرانسيس فوكوياما يومها قوله المتسرع وغير المتأني «إنها نهاية التاريخ». وقال علماء السياسة الأكثر تأنياً وتأملاً إن النظام الدولي القائم على التوازن هو الذي سقط فعلا. ثم بعد حوالي العقد من حالة الفراغ الكوني القائمة للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقع زلزال 11 سبتمبر وبدأت مباريات التسمية من جديد : هل هي الحرب العالمية الثالثة؟ هل هي الحرب الرابعة، باعتبار أن مجموع ما وقع من حروب منذ 1945، يشكل حربا عالمية ثالثة؟

أين نحن الآن؟ الجواب مفزع. نحن في حال شبيهة بتداعي النظام الدولي أوائل القرن العشرين الذي أدى إلى الحربين الكبريين. وأوروبا ـ ومعها العالم ـ في حال شبيهة بنهاية «حرب المائة سنة» في القرن الرابع عشر، أو «حرب الثلاثين سنة» في القرن السابع عشر. هكذا يقول المفكر والديبلوماسي البريطاني روبرت كوبر في دراسة رفعها إلى طوني بلير وتحولت إلى كتاب بعنوان «تحطم الأمم» أو «تفكيك الأمم».

قراءة الكتاب مخيفة لأنها مفزعة. عالم اليوم لا يواجه حربا كبرى او شاملة لكنه يواجه تسرب الاسلحة الإشعاعية أو «القنابل القذرة» الى منظمات وجماعات لا يضبطها قانون أو عرف: «من الآن فصاعدا سوف تتمكن جماعات صغيرة نسبيا من إحداث ذلك النوع من الضرر الذي لم تكن تستطيع تحقيقه في السابق سوى جيوش دول أو حركات ثورية كبرى». والمحاولة التي قامت بها طائفة يابانية باستخدام «الانتراكس» في طوكيو قد فشلت «لكن عاجلا أم آجلا سوف ينجح احد حلفائها في مكان ما من العالم».

يخشى كوبر من حالة انفلات قاتلة من هذا النوع تفضي في النهاية إلى سقوط النظام الدولي والحضارة الانسانية معاً. وحتى الآن استطاعت اوروبا الوقوف في وجه تسلل الفوضى «عبر البلقان أو المتوسط» لكن الى متى تستطيع البقاء خارج العاصفة؟ لقد تقدمت اوروبا بعد سقوط الشيوعية نحو المزيد من الوحدة، اما بقية العالم فاتجهت إلى المزيد من الانفصال والتباعد، وإلى المزيد من الفوضى.

الأخطاء في السياسة الخارجية يمكن ان تؤدي إلى كوارث. يعطي كوبر ثلاثة أمثلة: حرب بريطانيا على جمال عبد الناصر «باعتباره هتلر جديدا». حرب فرنسا على الجزائر من اجل مفهوم للدولة لم يعد قابلا للحياة. وحرب اميركا على الفيتنام، اذ اعتقدت انها تخوض معركة الحرب الباردة في حين انها كانت تستكمل الحملة الاستعمارية التي بدأتها فرنسا. على ان الحرب الباردة حالت، بطريقة ما، دون انفجار الحرب الكبرى. فقد تركت اميركا السوفيات، مثلا، يتجولون في الدول التابعة لهم. وسلح السوفيات فيتنام الشمالية كما سلح الأميركيون المقاتلين الافغان، من دون الدخول في مجابهة مباشرة. والامثلة الأخرى كثيرة ايضاً، في افريقيا وآسيا واميركا اللاتينية. غير ان العدو الآن (في اليابان او نيويورك او موسكو) أصبح مبهماً ولا يستطيع أحد تقدير قواه من أجل مجابهته. والخوف ليس فقط من سلاحه التقليدي أو مفاجآته (مثل قطار المترو في طوكيو او مدرسة الاطفال في موسكو) بل من السلاح الأكثر فتكاً الذي قد يصبح في متناوله.

ر إلى أي اتجاه فقلت: عليك اللعنة!

انتهت المسرحية. ولم أعرف معنى هذه العبارة.