أميركا: مأساة سوق العقار إدارة ضد الضحايا

TT

يعتبر هنري بولسون، وزير الخزانة الأميركي، الفتى الجيد، ولكن فقط بمقاييس إدارة الرئيس جورج بوش. وبمثل ذلك الحكم لا يمكن أن تقول عنه إنه غير كفؤ وإنه لا يحاول تضليلنا في مسألة الحرب أو يبرر التعذيب من أجل حماية متعاقدين فاسدين، فيما تعكس أفعال هذا الفتى الجيد أسبقيات الإدارة التي يعمل بها، وهذا تحديدا ما كشفته أخطاء خطته للتملك العقاري التي عرضها الأسبوع الماضي. وتلك خطة أحسنت افتتاحية صحيفة «نيويورك تايمز» وصفها بإيجاز فقالت: إنها صغيرة جدا ومتأخرة جدا، وعفوية جدا. ولكن الإدارة هنا تقول لك إن تلك الأشكال المزعومة من الفشل ليست علة وإنما معالم فقط. والى ذلك فالانطباع السائد في أوساط المراقبين أن خطة بولسون ليست معنية بتحقيق نتائج فعلية بقدر ما هي معنية أصلا بإبداء التفاعل ظاهريا، وبذلك تقلل من أي دعم سياسي لمساعدة الأسر التي تعاني من مشاكل التملك العقاري.

والى ذلك أيضا، فالخطة، وبقراءة الواقع ربما تكون محاولة لحجب الرياح عن مركب بارني فرانك، الديموقراطي رئيس لجنة الخدمات بمجلس النواب والذي موّل تشريعا يعطي الصلاحيات للقضاة في حالات الإفلاس التي يعلنها المواطنون ليتيحوا للمواطنين إعادة صياغة وجدولة ديونهم لدى ممولي تمليك العقارات. على الصعيد الآخر دعونا نقول إن أصل أزمة التمليك العقاري وتبعاتها في أميركا يعود لثلاثة أوجه. يعود الأول منها إلى الاستقرار السياسي بعد أن أصيبت البنوك والمؤسسات الأخرى بخسائر فادحة وضخمة في استثماراتها في مجال التمليك العقاري، فاختل النظام المالي بحاله. والثاني يعود الى المعاناة الإنسانية، وفي الأفق احتمالات لفقدان مئات الآلاف، وربما الملايين من الأسر الأميركية لمنازلهم. والثالث يعود الى الظلم أو عدم العدالة، فالقفزة الكبرى التي أتاحت القروض السلبية إنما ذهبت لأناس بدرجات ائتمان عالية أهلتهم للحصول على القروض الميسرة بشروط حسنة جدا، على حساب آخرين، وحين تدنى سوق الإسكان، تسمر هؤلاء الضحايا ولم يستطيعوا التمويل أو توفيق أوضاعهم.

من هنا فهناك ثلاثة مشاكل، ولكن خطة بولسون، أو خطة تحالف الأمل الحاضر، إذا أردنا استخدام اسمها الصحيح ، تركز بشكل أساسي على تقليل خسائر المستثمرين، فيما سيأتي، إذا أتى، أي إسعاف تقدمه للمستدينين عن طريق الصدفة، في مقابل عمل لا شيء على الإطلاق لضحايا الاقتراض الظالم والخاطئ. أضف الى ذلك أن الخطة، وعلى صعيد مساعدة المقترضين، تعنى بإسعاف أولئك الذين الذين تبلغ ديونهم على الأقل 79 في المائة من قيمة العقار الذي اقترضوا من أجله، بما يعني أنه ومع معظم الحالات، إن لم يكن معظمها، فالذين سيحصلون على إسعاف لديونهم سيكونون الذين يملكون أكثر مما تستحقه منازلهم، لأن أوضاع هذه الفئات ستكون أفضل ماليا إذا تخلصوا من العقار أصلا.

وهناك السؤال الآخر: ماذا عن الذين يملكون نقاط ائتمان عالية ولكنهم واجهوا التضليل فأدخلهم في صفقات عقارية سيئة، أو الذين استثيروا للدخول في قروض بشروط مجزية، إلا أن هؤلاء على كثرتهم لن يحصلوا على شيء. وأخيرا، ربما يكون هناك من يقول أن خطة بولسون لا تزال أفضل من اللا شيء، وأقول هنا: ولكن البديل المواكب والصحيح لا يمكن أن يكون لا شيئ، وأعني البديل الذي يحاول أن يساعد الأسر العاملة، وللعلم ، فمساعدة هذه الأسر العاملة هو بالتحديد ما تحاول إدارة بوش هذه أن تتجنبه.

* خدمة «نيويورك تايمز»