العراق: بين شفير الهاوية.. وربوة النجاح

TT

عدت الشهر الماضي من زياتي الثانية للعراق خلال العام الحالي. أذهلتني، شأن كثيرين، التغيرات التي حدثت منذ الربيع. فأحياء بغداد التي كان يصعب الوصول إليها في مارس الماضي عادت للحياة ثانية. وأجزاء من محافظة ديالى التي كانت زيارتها خطرة تعتبر الآن آمنة. ونقاط الحراسة في الفلوجة التي كانت تتعرض للهجوم قبل عام تشهد التقاط الأطفال للصور مع المارينز. إنها ما تزال منطقة حرب لكن الاتجاهات للصورة الكلية تتحول إلى ايجابية.

ماذا يعني هذا؟ هل هو وهم تولد من زيادة عدد القوات الأميركية؟ هل هو نافذة على فرصة سيبددها العراقيون قريبا؟ أم انه تغير أساسي يمكن أن يسمح لنا بالبدء بإعادة قواتنا إلى الوطن؟

قد يثبت التقلص في العنف انه مؤشر أساسي، ومرحلة جديدة لتلك الحرب، مع فرصة أفضل لتحقيق الاستقرار. ولكنه قد لا يوفر الكثير من الفرص من اجل انسحاب شامل وسريع للقوات الأميركية. وإذا لم نكن مستعدين للبقاء بأعداد كبيرة لفترة طويلة فان مكاسب الشهر الأخيرة يمكن أن تتبدد بسهولة. فالنزاع العراقي هو حرب أهلية بين الجماعات. ومن الناحية الكلاسيكية فان إنهاء حرب أهلية يتطلب شرطين رئيسيين: الأول هو التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وهذا يجب فرضه بالتالي من جانب قوة حفظ سلام خارجية. وسبب الحرب الأهلية يعود إلى انعدام الثقة بين السكان المحليين.

ومنذ الشتاء الماضي خلقت توليفة من الحظ الجيد، وأخطاء الخصم، واستراتيجية اميركية جديدة، مع مزيد من القوات، ومهمة أمن مباشر من السكان، خلقت مجتمعة وضعا غير متوقع لحد كبير. وعبر الكثير من مناطق العراق اختار المقاتلون السابقون تغيير موقفهم، وأوقفوا القتال ضد القوات الأميركية والعراقية بل ووجهوا سلاحهم ضد الأعداء المشتركين مثل القاعدة في العراق، والعناصر المنبوذة من المليشيات الشيعية مثل جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر. وأدى وقف إطلاق النار الطوعي هذا بالكثير من السكان المحليين الى الالتحاق بجماعات «المواطنين المحليين المهتمين» الذين تدفع الولايات المتحدة رواتبهم وتعاملهم باعتبارهم يحققون الأمن.وعودة لوقف اطلاق النار في الحرب الأهلية، أقول إنه نادرا ما يفرض ذاتيا. وهناك خطر انهيار الاتفاقات مع جماعات المواطنين المحليين المهتمين. فكثير منهم هم نفس المقاتلين الذين كانوا يحاربون القوات الأميركية والعراقية. وهم يحتفظون بأسلحتهم وأحيانا بقادتهم. ويأمل البعض الاستيلاء على السلطة في وقت لاحق إذا ما تمكنوا من ذلك. ومن الصحيح القول اننا لم ندمر العدو أو ندفعه إلى خارج العراق.

وبالتالي، فدور قوات حفظ سلام خارجية حاسم لتحقيق النجاح.

ويمكن أن تستمر الحاجة الى مثل هذا الوجود لفترة جيل. ويأمل كثيرون بإمكانية فرض وقف إطلاق النار عبر محفزات ايجابية مثل الرواتب الحكومية لجماعات المواطنين المحليين المهتمين. ولكن سجل مثل هذه الصفقات في أماكن أخرى يشير إلى أن الكثير ضروري ولسنوات مقبلة.وفي الوقت الحالي تعتبر القوة الوحيدة المرشحة لدور قوات حفظ السلام هي الولايات المتحدة, فيما تتزايد الضغوط باتجاه تقليص القوات الأميركية. فالالتزام الأميركي لحماية وقف إطلاق النار العراقي لا يتمتع بضمانة نجاح، لأنه يمكن أن ينهار حتى اذا ما احتفظنا بقوة حفظ سلام كبيرة، وقد يواجه أفراد قوة حفظ السلام في خاتمة المطاف الرفض باعتبارهم محتلين أجانب. ومع ذلك، فالتوجه لتحقيق الاستقرار في العراق وإبعاد النتائج المحتملة للفشل، أكثر إمكانية للدفاع عنه مما كان عليه الحال لفترة طويلة، ولكن فقط اذا ما كنا مستعدين أن نفعل ما يزيد من احتمالات عدم عودة العراق إلى الفوضى. إن انسحابا سريعا أو شاملا يمكن أن يخلق تكهنا بالهزيمة، فيما يمكن لانخفاض العنف في العام الماضي أن يشير لمرحلة جديدة يتحول فيها الوجود الأميركي من مرحلة خوض الحرب إلى مهمة حفظ السلام. وأذكر أخيرا بأننا إذا ما تعاملنا مع الأمر باعتباره، وبشكل رئيسي، فرصة للعودة إلى الوطن فإننا يمكن أن نخسر بسهولة ما حققناه من مكاسب.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»