التحديات الإنسانية للعام 2008

TT

قال الشاعر جبران خليل جبران «إن حماية حقوق الآخرين هي أنبل وأجمل هدف إنساني»، وهو قول يتبادر إلى الأذهان هذا الأسبوع مع اجتماع حوالي 200 منظمة ـ من ضمنها الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر ـ نيابة عن الأشخاص الذين تأثرت حياتهم بالنزاعات والكوارث. وبينما أخط حروفي هذه على الورق، يستمر ملايين الأشخاص حول العالم في مواجهة حالة من انعدام الأمن كواقع يومي لحياتهم. فالحرب والكوارث الطبيعية تهدد وجودهم في الوقت الذي لا تتوفر لديهم ضرورات الحياة مثل الماء النظيف والغذاء والرعاية الصحية والتعليم أو حتى الملجأ. والمناشدة الإنسانية لعام 2008 هي نداء للمجتمع الدولي ـ حكومات ومنظمات وأفرادا ـ ندعوهم فيها لمد يد العون وتوفير أساسيات الحياة لهؤلاء الأشخاص. وفي جهود لمساعدة 25 مليون شخص من خلال المشاريع الإنسانية في 24 دولة، فإن هذه المناشدة تسعى إلى جمع 3.8 مليار دولار.

ولكن عملية المناشدة الموحدة التي يُعتمد عليها عام 2008 هي أكثر من مجرد دعوة لجمع الأموال. فهي تمكن منظمات الإغاثة من تجنب حصول النقص أو الازدواجية التي تحصل عندما تعمل كل منظمة بمعزل عن الباقين بالإضافة إلى أنها تعطي كل الأطراف رأياً متساوياً في إستراتيجية توزيع المعونات. وبجمع المنظمات الإنسانية المختلفة، تسمح عملية المناشدة الموحدة لهم بتطوير مجموعة من الخطط الموحدة الفعالة والبناءة لمعالجة الحالات الإنسانية بشكل مباشر.

أما بالنسبة للمانحين، فإن عملية المناشدة الموحدة هي طريقة لضمان إنفاق أموالهم بطريقة صحيحة. فهي توفر لهم التعرف إلى أكثر الأزمات قسوة وتسمح لهم باتخاذ قرارات مدروسة عن المكان الذي يجب أن توجه إليه مساعدتهم. وبالتبرع عبر عملية المناشدة الموحدة يمكن للمانحين اختيار أين ستذهب تبرعاتهم سواء تجاه أزمة معينة أو وكالة محددة أو حتى مشروع منفرد. وعلاوة على ذلك، ومن خلال اشتراكهم في عملية التمويل متعددة الأطراف هذه، سيحصل المانحون على منصة يمكن من خلالها تشكيل الجهود الإنسانية المستقبلية. ومن المهم طبعاً، أن تساعد عملية المناشدة الموحدة في ضمان أن أولئك الذين يعانون ـ المهجرون واللاجئون والمرضى والأرامل واليتامى ـ سيحصلون على أفضل مساعدة متوفرة بكفاءة وفعالية وفي الوقت المناسب. وهذا يوضح أنه عندما نقوم بعملنا بطريقة منسقة وموحدة يمكننا إنجاز أشياء نبيلة للإنسانية من خلال إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة. ويجب علينا ألا ننسى أن العديد من هذه الجهود موجهة لمساعدة أشخاص يعيشون عند عتبة دارنا. ففي العام الماضي، قدم المجتمع الإنساني الطعام والرعاية الصحية والتعليم، وقام بجهود ملحوظة لتجنيب الفلسطينيين العاديين أسوأ تأثيرات الأزمة هناك. وفي السودان، وبفضل إسهامات المانحين في مناشدة عام 2007، تم بنجاح تنقية ستة ملايين متر مربع من الطرق من الألغام. كما حصل أربعة ملايين شخص على الغذاء والمساعدات المعيشية في كافة أنحاء البلاد. وهذا دون ذكر الاستجابة العالمية للكوارث الطبيعية في اندونيسيا وبنغلاديش وباكستان والعديد من الدول الأخرى.

وبالفعل، فإن التحديات الإنسانية للسنة القادمة خطيرة، فمع تحول التغير المناخي إلى حقيقة حاضرة على أرض الواقع وبشكل متزايد، من المحتمل أن تزيد الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير. كما من المتوقع أن يرتفع عدد موجات الجفاف والفيضانات والعواصف. والنزاعات البشرية مستمرة أيضاً في التأثير على ملايين الأشخاص، ففي الأشهر الأخيرة، فر أكثر من 600 ألف شخص من مقديشو باحثين عن ملاذٍ بعيد عن العنف المستمر هناك. وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، يعاني حوالي 1.3 مليون شخص ـ أو ثلث السكان ـ من انعدام الأمن الغذائي ويصل عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر في قطاع غزة إلى 88 في المائة.

وعلى الرغم من أن ذلك قد يبدو مثيراً للكآبة، فمن المهم أن نتذكر أنه في عدة حالات استطاعت بعض البلاد السيطرة على العنف والعودة إلى الوراء والسير في درب السلام والمصالحة والتطوير على الرغم من سنوات العنف الطويلة. وكانت هذه هي الحال في سيراليون وليبيريا وأنغولا وحتى أجزاء كبيرة من جمهورية الكونغو الديمقراطية. ومع احتمال وجود فرصة واقعية لتحسين الأوضاع فمن الضروري أن نتحمل مسؤولياتنا الجماعية لمساعدة الأشخاص الذين أصابتهم النزاعات أو الكوارث إلى أن يبزغ فجر يوم أفضل.

وبسبب الحجم الكبير لهذه المهمة، فمن الواضح أننا إذا كنا نأمل في تخفيف المعاناة عن أولئك الأشخاص، فيتوجب على مَنْ هو أوفرُ حظاً توحيد الجهود. ومن خلال الإسهام في هذه المناشدة، ستؤكد الحكومات والشركات الخاصة والأفراد أنه، كما قال الشاعر، فإن مساعدة الآخرين هي أكثر الأهداف نبلاً وجمالاً لأي إنسان.

* المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية