جار الخوف

TT

في ظهوره المفاجئ بمؤتمر قمة دول مجلس التعاون الخليجي، أدلى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بخطاب «جماهيري» بامتياز وسرد وفند مجموعة من المطالب «الجميلة» التي تؤمن العيش الوردي بين دول مجلس الخليج (ولن ندخل في تفاصيل اسمه أكان فارسيا أو عربيا، فليس هذا أهم النقاط المطلوب تناولها). فبينما وضح الرئيس الإيراني رغبته في التعاون مع دول الخليج وعدد أوجه مجالات التعاون الممكنة بين سكان ضفتي الخليج في الجوانب الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، كان خطابه أشبه بمن يضم الآخر الى أحضانه وأصبعان في عينيه أو هو يدعس بكل قوته على قدم جاره أو يبتسم الى زميله وهو يخنقه من رقبته. والمقصود هنا أنه فات على الرئيس الإيراني «الدخول» في صميم المواضيع التي تثير حفيظة الجيران بالخليج ، المواضيع التي تؤرقهم وتثير القلق والخوف لديهم . فكيف للإمارات أن تغفل عن موضوع احتلال إيران لجزرها وكيف للكويت والبحرين أن تتغافلا عن التدخلات الإيرانية في الكثير من مسائلهما الداخلية؟ وكيف لكل دول الخليج أن تتغاضى عن التدخلات الايرانية الشديدة الخطورة في العراق والتي تؤجج الأوضاع على الجميع؟ كان من الأجدى أن يتعرض الرئيس الإيراني لهذه المسائل بصورة أوضح وبشكل مباشر إذا كانت النية حقيقية وصادقة لبدء مرحلة «مختلفة» من العلاقات بين ضفتي الخليج.

تاريخ القلق المصاحب للخليج لم يأت من فراغ بل جاء نتاج تجاوزات وأحداث مختلفة ساهمت بشكل مؤكد في تكوين حالة من الشك المتبادل واهتزاز شديد في الثقة. واليوم يأتي الطرح الموجه من قبل الرئيس الإيراني لزعماء الخليج ولشعوبه ناقصا وغير مكتمل طالما لم يكن الهدف الأساسي منه هو زرع الثقة والعمل على بنائها، وهذا لن يتأتى وإيران تشهد أكبر إنفاق عسكري في تاريخها وأكبر برنامج نووي وترسل رسائل تهديد بين الفترة والأخرى تطالب فيها بالبحرين ومرة أخرى بضرب المصالح النفطية في المنطقة، هذا النوع من الحديث الناعم مع حمل «ساطور» حاد تتساقط منه قطرات الدماء لن يكون مجديا ولا مقنعا ولا مجديا مهما كان الحديث ورديا وناعما وفاتنا.

وغير خاف على أحد أن هذا الصرف المهول على البرنامج العسكري الإيراني جاء على حساب خطط التنمية وعلى حساب الاقتصاد، فولد بالتالي البطالة ونسبها المعروفة والمرعبة. والإرث مليء بالتوصية والحرص على الجار بدءا من الأحاديث الشريفة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بتوصيته على الجار والأمثلة الكثيرة المؤكدة على هذه المسألة، حتى الأغاني تغنت بجار القمر وجارة الوادي، إلا أن الخليج برمته بات جار الخوف. فالخوف أصبح العنصر الأهم في بناء العقلية والنفسية الموجودة، فهناك اعتقاد راسخ لدى عدد غير قليل من سكان الخليج بأن هذه المنطقة قد كتب عليها أن تعاني في كل فترة وأخرى من طموحات حربية وتدخلات خارجية وهوس عسكري، بدلا من الاهتمام بعلل أجدى وأخطر وأنفع.

نعم هناك منطق واضح لعلاقة مميزة بين إيران وبين جيرانها في الضفة الثانية من الخليج، ولكن هذه العلاقة إذا لم تبن على المصارحة وإزالة عناصر التوتر ستكون مجرد خطاب شعبي يصلح لحملات العلاقات العامة بدلا من أن يحسب لصالح النجاحات الدبلوماسية.

[email protected]