عالمنا بعد عشرات السنوات

TT

فرانك دايفدسون أميركي مسن، ومحام معروف، لكنه اشتهر بنظرته المستقبلية ورؤيته البعيدة حتى بات في هذا المجال من المشاهير، لاسيما أنه هو الذي خرج بفكرة الاعمال الهندسية الكبيرة ومستقبلها الكبير في خدمة الانسانية، وله العديد من الاسهامات في تشجيع الشركات على الاختراع والابتكار لخدمة المجتمع والبشرية لكي يدخلا القرن الواحد والعشرين من الباب العريض.

آخر أفكاره الثورية التي خرج بها بالتعاون مع معهد ماساتشوسيتس للتقنية (ام اي تي) الشهير هو الآخر بالعلوم الهندسية العالية، جعل الانسان خلال 30 الى 40 سنة من الآن قادرا على تناول الفطور في لندن مثلا، والغداء في نيويورك، قبل العودة ثانية وتناول العشاء في لندن، أي قطع المحيط الاطلسي خلال ساعتين ونصف الساعة تقريبا بطريقة مبتكرة جدا قد لا تخطر على بال أحد. وقد استلهم الفكرة من مقال كتبه الروائي الشهير جول فيرن في مجلة «ستراند» الاميركية عام .1895 والملاحظ ان الكثير من الخيال العلمي الذي سجله فيرن في رواياته تحقق في ما بعد، بعد عشرات وربما مئات السنين.

تقوم الفكرة على قطارات سريعة جدا تندفع بسرعة تبلغ أضعاف سرعة الصوت وتعمل وفق تقنية «ماغليف»، التي هي عبارة عن قطارات كهربائية متطورة جدا قادرة على تحقيق سرعات هائلة بعد استبدال وسادة مغناطيسية بعجلاتها تتيح لها التغلب على الاحتكاكات التي تولدها مثل هذه العجلات. وستسير هذه القطارات القادرة على نقل آلاف من الركاب دفعة واحدة عبر أنفاق وانابيب ممتدة في قعر البحار والمحيطات، أو تحته بشكل شبيه نوعا ما بقطار نفق المانش (اليوروتنل) الذي كان دايفدسون ثاني من طالب بانجازه عام 1956 بعد 76 عاما من المطالبة الأولى التي رفضت فورا جملة وتفصيلا بعدما خشي أحد القادة العسكريين البريطانيين من غزوة فرنسية تتم عبره. وللتغلب على مقاومة الهواء التي تحيل جسم طائرة الكونكورد مثلا الى معدن حام بفعل الاحتكاك، والتي من شأنها ايضا أن تعيق السرعة العالية، ستكون جميع هذه الانابيب والأنفاق الممتدة تحت الماء مفرغة منه، وهنا السر.

والمعلوم ان قطارات الـ«ماغليف» كانت حتى سنوات قليلة ضربا من الخيال العلمي، لكن مع التقدم الحاصل في علم المواصلات الفائقة التي تقضي على المقاومة الكهربائية، والتي تتيح الحصول على مغناطيسات قوية جدا، باتت هذه القطارات أمرا واقعا، إذ تجري اليابان والمانيا حاليا تجارب على نماذج منها بلغت سرعتها 600 كيلومتر في الساعة، رغم ان تعزيز التيار الكهربائي وزيادة قوته يتيحان لها الانطلاق بسرعات اكبر بكثير.

المهم ان العالم، كما يقول الخبراء، مقبل في السنوات المقبلة على تحولات جذرية جدا، من شأنها قلب حياة الناس رأسا على عقب، للشيء الافضل، وربما الأسوأ، إذ سينعم الانسان بكل نعم العلوم والتقنيات العالية، لكن على حساب جودة الحياة. فالبيئة ستتردى أكثر مما هي عليه حاليا، كما ستضمحل الكثير من موارد المياه العذبة التي سيرافقها المزيد من التسخين الحراري للارض، فضلا عن التصحر وانقراض العديد من فصائل الحياة من نبات وحيوان. من هنا لن تستطيع التكنولوجيا وحدها ان تؤمّن السعادة للبشر إذا ظلت الاحوال على ما هي عليه الآن، لذا يتوجب بذل المستحيل لانقاذ الوضع قبل ان يصبح الامر متأخرا جدا.