الدب في القفص

TT

ثمة سابقة رائعة تنتظر ان تسجل نفسها في لاهاي: محاكمة الطغاة. ليس فقط بتهمة ارتكاب جرائم الحرب، بل خصوصاً بتهمة ارتكاب الجرائم ضد اهلهم ورعاياهم وابناء ارضهم. لا حرية في الظلم. الحاكم لا يكون حراً في ظلم شعبه ولا في سياسة الاعتداء على الآخرين ولا في تهجير الابرياء ولا في دعوة زعرانه ومجرميه الى فتح الابواب امام معسكرات الاغتصاب والمقابر الجماعية.

ثلاثة من القتلة يقفون الآن كالجرذان امام القانون: اغوستو بينوشيه في التشيلي، حيث منعت عنه المحاكمة بداعي القصور العقلي ولكن بعد ان تحولت مطاردته الدولية الى ما هو أذل من الادانة بكثير. وفلاديمير مونتيسينوس، رئيس الاستخبارات السابق في البيرو، الذي اعيد من مخبأه في فنزويللا وسوف تستعاد منه الآن عشرات الملايين التي سرقها. وقد تؤدي محاكمة مونتيسينوس الى مطالبة اليابان بتسليم الرئيس البيروفي السابق فوجيموري.

ثلاثة من كم؟ لا يبدو الرقم مهماً، لكن السابقة مشجعة. فإدانة هؤلاء المرتكبين امام القانون، هي ايضاً ادانة للدول التي رعت بعضهم وتبنته، وخصوصاً الولايات المتحدة التي شجعت وباركت رجالاً مثل بينوشيه، واستخدمت رجالاً مثل مونتيسينوس في اجهزتها الاستخبارية، وهي تعرف تماماً تاريخه في المخدرات والقتل والتعذيب. وها هي واشنطن تعلن الآن انها ترفض تقديم ارييل شارون الى المحاكمة في مجزرة «صبرا وشاتيلا». وفي حين تبدو التهم الموجهة الى بينوشيه وسوهارتو ومونتيسينوس تهماً «عامة» تحتاج الى توثيق وشهود فإن التهمة في «صبرا وشاتيلا» واضحة ومحددة. وكان اول من اصدر حكماً فيها لجنة تحقيق رسمية اسرائيلية (كاهان) وأدى ذلك يومها الى عزل شارون من وزارة الدفاع ومنحه وزارة ثانوية.

اذا ادت المحاكمات الى شيء فلا بدّ ان تؤدي اولاً الى اعادة نظر في الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لابقاء الطغاة في طغيانهم. وقد ارتبطت السياسة الاميركية ومصالحها بالعلاقة الوطيدة مع الانظمة الديكتاتورية حتى اصبح من الصعب تخيل استمرار هذه الانظمة من دون دعم اميركي خفي. وهذا لا يبرئ الآخرين طبعاً. فالطاغية الصربي هو صنيعة الدعم الروسي والاهمال الاميركي. ولولا الروس لما استطاع ان يستمر وان يواقح العالم اجمع. غير ان بعض الدول العربية لعب دوراً ايضاً في حمايته واستمراره، عندما كان يعقد معه اكبر الصفقات التجارية والنفطية والسلاحية في الوقت الذي يوسع هو معسكرات الاغتصاب والمقابر الجماعية.

الاهمية «الجانبية» للمحاكمات التي من هذا النوع انها تطلع الدول والشعوب على ما كانت تجهله عن ادوار زعمائها ومواقفهم المغايرة او المناقضة تماماً لمشاعرهم وكراماتهم. وأغلب الظن ان ميلوشيفيتش لن يتكلم عندما يقف في القفص. واذا فعل فسوف يدافع عن ثقافة الحقد وفكرة الكره وشهوة القتل والابادة.