الفلسطينيون استعملوا الأصعب.. وأهملوا القانون

TT

تواصل العمل الدبلوماسي المكثف هذا الاسبوع حول قضية الصراع العربي الاسرائيلي. فالرئيس بشار الاسد ذهب الى باريس في زيارة رسمية ذات بروتوكول كامل وطرح رؤية سورية للسلام، ورئيس الوزراء الاسرائيلي الجنرال آرييل شارون فرض وزنه في زيارة على لندن قبل وصوله الى واشنطن في زيارة ثانية للبيت الابيض ليواصل معركته ضد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وليحضر للحرب، كما ان شارون يستعد لزيارة باريس الاسبوع القادم. وزير الخارجية الاميركي كولن باول استمع الى برنامج شارون بعد صمود وقف اطلاق النار لاسبوعين، وتقرر توجهه الى المنطقة بعد طول تردد. ولا يخفى ان العمل الدبلوماسي الاوسع في الاسابيع الاخيرة جاء من المسؤولين السعوديين، اذ الغى ولي العهد السعودي الامير عبد الله زيارة لكندا ورفض زيارة البيت الابيض وطالب بتحسين المناخ قبل الزيارة، وعاد ولي العهد هذا الاسبوع ليعرب عن امله ان يتم استقبال الرئيس الفلسطيني في البيت الابيض ايضاً، كما تهاتف الرئيس الاميركي بوش مع الامير عبد الله نهاية الاسبوع الماضي وتباحثا في تطورات الامور في المنطقة. وكان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد قد اكد ان تصريحات ولي العهد تمثل سياسة المملكة، وذلك يعزز الموقف السعودي والعربي. جولة ولي العهد الاوروبية والعربية، والزيارات الاخرى للمسؤولين السعوديين، مثل جولة الامير سلمان هذا الاسبوع في اوروبا، دارت حول قضية الصراع العربي الاسرائيلي بالدرجة الاولى.

هذا التفاعل تداخل وتصارع مع بعضه طوال اسبوعي الهدنة المعلنة بين الاسرائيليين والفلسطينيين بهدف تطبيق بنود تقرير ميتشل. الدبلوماسية العربية تطالب بدور اوسع لدول اوروبا في تحمل مسؤولياتها التاريخية والآنية، وبموضوعية اكثر للبيت الابيض الذي لم يعد ينظر لمصالح الولايات المتحدة، وانما قيد ذاته في الرضوخ لرغبات لوبيات سياسية متطرفة ومتقلبة. في الطرف الآخر يسعى شارون وفريقه تلبيس اوروبا وواشنطن دور المؤيد للسياسة الاسرائيلية، وتصوير الرئيس الفلسطيني عرفات كمخالف للرغبات العالمية في السلام. اما البيت الابيض فلا زال يستسهل تكرار شعارات شارون بمطالبة عرفات تنفيذ وضمان الامن والهدوء لفترة قادمة قبل تنفيذ الشق السياسي لقرارات لجنة ميتشل. من الجلي ان كل يوم يطيل الهدوء النسبي تطبيقاً لاعلان وقف اطلاق النار، انما يقرب شارون من دفع الاستحقاق الذي لا يريد دفعه، وبالتالي يعرضه للتصادم السياسي مع العالم المتشابك في القضية، كما يقربه من الخلاف الداخلي في التحالف الحاكم. ليس صدفة ان المخابرات الاسرائيلية قتلت مسؤولاً من فتح في نابلس عشية سفر شارون للولايات المتحدة، املاً منهم برد فلسطيني ضد الاسرائيليين اثناء وجوده في واشنطن ليسهل عليه الطنطنة بعدم الالتزام الفلسطيني والتهرب من الاستحقاقات. شارون يريد الحرب ضد الفلسطينيين بأي حال.. يريد ضربهم بدعم عالمي، او بسكوت عالمي، وقد يقدم طروحات سياسية اثناء القصف ليحد من النقد الخارجي. هكذا فأن رحلته لواشنطن هدفت وضع اللوم على الفلسطينيين وطالبت بالضغط عليهم، بعد ان كانت السياسة الاسرائيلية ترفض مبدأ الضغط الخارجي عليها اصلاً في الماضي، كما ان الادارة الحالية كررت في بداية عهدها انها ليست في وارد الضغط على طرف وانها تنتظر تقارب الطرفين قبل تدخلها. اذا صمدت الهدنة، واضطر شارون للتعامل مع تقرير ميتشل، فانه سيرفض تجميد الاستيطان داخل المستوطنات القديمة والجديدة، وسيوافق فقط على عدم بناء مستوطنات جديدة اذا استمر الهدوء الفلسطيني التام. أي انه بعد كل عملية فلسطينية سيعود الى اقامة بضع مستوطنات جديدة. تقرير ميتشل يطالب في هذا الصدد بتجميد كامل في البناء الاستيطاني، ولهذا سيرفض الطرف الفلسطيني الموقف الشاروني، وسيعود الموقف متفجراً وتعود سياسة توزيع الاتهامات والمسؤوليات. واذا قبلت القيادة الفلسطينية موقف شارون سيقول الجنرال: لقد قلت دوماً ان الاستيطان ليس عقبة في طريق السلام، وسيختار قصة جديدة يفرضها على القيادة الفلسطينية، مثل حجم الانسحاب من الضفة الذي لا يريده اكثر من اربعين في المائة من مساحة الضفة والقطاع. كلما قبلت القيادة الفلسطينية طلباً لشارون سيتعزز موقعه داخلياً وعالمياً، وسيفرك حزب العمل، المتحالف مع شارون، كفيه فرحاً بهذا التراجع الفلسطيني، ولن توجد نهاية للنهم الاسرائيلي حتى في العهود الآتية بعد شارون. الجنرال شارون لا يريد السلام، اذ لا يوجد لديه ما يقدمه، سواء لتقرير ميتشل او للحل النهائي الذي سيليه.. وهو مقتنع بأن الخطوات السياسية لتحقيق السلام تحتاج الى دعم عمليات عسكرية. بمعنى آخر، فإن السلام حسب رؤيته ممكن اذا ضغط العالم على القيادة الفلسطينية بشدة، وترك لاسرائيل حرية ضرب الفلسطينيين عسكريا مع ضمان عدم التوسع بالحرب الى بقية دول المنطقة... هذه الوصفة، حسب فهم الجنرال، يمكنها تحقيق السلام بالشروط الاسرائيلية وإراحة الجميع من هذا الصداع. لذلك بالذات هناك خطر الآن من اقناع شارون لواشنطن واوروبا بضرورة ممارسة الضغط على عرفات، لان تقبل ان هذا المبدأ هو المقدمة الحتمية لضربة عسكرية قوية يريد بها شارون كسر الفلسطينيين وتطفيشهم... ومن المهم ان تكشف الدبلوماسية العربية هذا المطب الذي يدفع شارون العالم اليه. هو لا يريد منهم الضغط على عرفات لاقناعه بقبول سلام متوازن او تطبيق مقررات دولية، او حتى الالتزام بقرارات لجنة ميتشل، وانما يريد توريط العالم في نقد الرئيس الفلسطيني كمقدمة لضربة عسكرية يأمل شارون ان تضطر اوروبا وواشنطن للسكوت عن نتائجها. الى جانب العمل الدبلوماسي القائم والآخر المطلوب، هناك ضرورات فلسطينية مطلوبة استعداداً للقادم المعلوم: ـ عدم تفكيك الجبهة الفلسطينية الداخلية الموحدة مهما كان السبب والثمن... يمكن تصعيد الحوار الداخلي وتنسيق المواقف برضاء الجميع من دون الوقوع في مطب الفتنة، او في اغواء التظاهر بالقدرة على السيطرة على الشارع وقواه المقاومة. ومن الضروري الاستعداد للضربة العسكرية القادمة عبر التحضير لصدها، والانتقام الفوري المناسب لها. قد يكون تمرير الوقت بين الضربة الاسرائيلية والرد عليها مناسباً للاستغلال الاعلامي والعويل، ولكن من الافضل في بعض الحالات الرد الفوري المُجهز سلفاً حتى يتأثر الشارع الاسرائيلي ويتأكد من عقم اسلوب القمع ويعرف الثمن... ولهذا هناك احياناً اهمية للرد الفوري، وهذا بحاجة لاستعداد وتوفير خيارات.

ـ العمل الفلسطيني الآخر المطلوب سلفاً لردع العمل العسكري الشاروني، هو تصعيد العمل الدبلوماسي العلني عبر الاعلام لكسب الرأي العام العالمي وبالتالي تأثيره على حكوماته. يمكن تعرية شارون ببضع كلمات موجزة من الرئيس الفلسطيني يقول فيها: ما مضمونه ان الفلسطينيين يريدون الامن والسلام للجميع، والامن لن يتوفر، حسب التجربة، الا بتوفر السلام القائم على قرارات الشرعية الدولية، اذا اعلنت أي حكومة اسرائيلية استعدادها والتزامها بتطبيق الشرعية الدولية ضمن فترة زمنية قصيرة وبضمان عالمي فأن الفلسطينيين سيقبلون أي شروط امنية يقترحها المجتمع الدولي عبر الامم المتحدة لضمان امن الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني.

لا جديد في مثل هذا التصريح سوى تذكير العالم بالحقائق، ولكن تكراره بدقه من الرئيس عرفات الآن سيفشل محاولات شارون في تسويد صورة القيادة الفلسطينية ويذكّر الجميع بأهمية الامن للطرفين وباليأس الفلسطيني من المماطلات. ـ الباب الثالث المطلوب طرقه من الفلسطينيين، هو باب التقاضي بالقانون الدولي الذي اهملته القيادة الفلسطينية لاسباب يصعب فهمها. باب القانون الدولي هو الاقل كلفة في المال، وعديم الكلفة في الارواح، ونتائجه مضمونة للجانب الفلسطيني، ولا يضير الشعب الفلسطيني اللجوء اليه كونه لا يتعارض مع مصالحهم ولا يسيء لسمعتهم ولا يخالف القرارات الدولية المتخذة لصالحهم، بل ان باب القانون الدولي لا يخالف حتى المفاوضات المعطلة او القائمة او المنشودة.

يمكن عبر القانون الدولي اعادة تأكيد قرارات الامم المتحدة، وتحميل واشنطن مسؤولية تسليحها لتل ابيب ونتائج ذلك على الشعب الفلسطيني، ويمكن ملاحقة بريطانيا في مسؤولياتها التاريخية المتعددة قبل وبعد النكبة ومطالبتها بالتعويضات وبفرض سياسة تجبر حكوماتها على وقف الدعم لاسرائيل... وهناك عشرات القضايا الرئيسية القابلة للاثارة ضد النازية وورثتها في المانيا الحالية الذين تحملوا نتائج عمل النازية ضد اليهود. النازية اضرت بالفلسطينيين مباشرة، والتعويضات الالمانية لاسرائيل اضرت وقتلت وشردت الشعب الفلسطيني ولا تزال تؤدي لنتائج كارثية... عبر القانون يمكن وقف هذه الافعال وتحميل كل دولة وشعب مسؤوليتهما ودفع الناس للتأمل والتفكير، والسعي لتعديل سياساتهم من دون ان يضر ذلك بأي علاقات قائمة الآن بين الفلسطينيين واي من تلك الدول واحزابها... ناهيك طبعاً من مئات القضايا القابلة للترافع فيها دولياً ضد اسرائيل. كل القضايا العامة بحاجة الى ترافع بتوكيل من الممثل الشرعي للفلسطينيين والمعترف به دولياً... القضية لا تنصر فقط بالقنابل والدبلوماسية والاعلام.