خوفا من ضغوط أميركية أخرى.. شارون يستعد لمواجهة واشنطن خلال أسبوعين أو ثلاثة

TT

وضع الخلاف العلني في وجهات النظر «ضبط النفس» الذي يمارسه ارييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي، على المحك. اذ في لقائهما مع الصحفيين قبل بدء الاجتماع اشار بوش الى ان انخفاض نسبة العنف بين الفلسطينيين والاسرائيليين كاف للعبور الى مرحلة التهدئة التي وردت في خطة لجنة ميتشل (السناتور السابق جورج)، غير ان شارون رفض هذه الاشارة وقال انه وقع 16 هجوما يوم الاثنين الماضي وان الاسرائيليين الخمسة الذين قتلوا مؤخرا، نسبيا بمثابة 250 أميركيا، لهذا كرر ان المطلوب اسرائيلياً وقف مطلق للعنف والتحريض، ثم دعا الى عشرة ايام من الهدوء الكامل قبل ان تفكر اسرائيل بالانتقال الى مرحلة التهدئة التي ستستمر فترة ستة اسابيع، قبل بدء اجراءات اعادة الثقة بين الطرفين.

قد يكون ما ضاعف من توتر شارون هو ان اسرائيل لم تكن راغبة في ان يقوم وزير الخارجية الاميركي كولن باول بجولة الى الشرق الاوسط حيث سيلتقي رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات بين من يلتقيهم، فاذا بشارون يصله ان ميتشل صرح بان على الرئيس بوش ان يدعو عرفات الى واشنطن.

قال شارون ان اسرائيل لا تفاوض تحت ضغط النيران والارهاب وبالتالي فان المفاوضات لا يمكنها ان تبدأ حتى يتوقف العنف «لانه اذا بدأنا الآن فلن نصل الى السلام». غير ان بوش اوضح ان «المهم ان لا نخسر التقدم الذي تحقق حتى الآن»، وان باول في لقائه مع عرفات سيحثه على بذل مجهود اكبر «وان يسيطر بطريقة افضل على قواته الامنية (...) وسنتحدث مع رئيس الوزراء حول مواقفه..».

من ناحيته كان باول قال في نيويورك انه لا يحمل مقترحات او خططا سياسية جديدة، فقط خطة ميتشل «التي تعالج الموقف برمته» مضيفا انه خلال محادثاته يوم غد (الجمعة) مع شارون وعرفات سيستمع الى تقديراتهما لتطور الوضع، «لنعرف كيف يمكننا ان نسرع اكثر في تهدئة العنف الى درجة تسمح للطرفين بالشعور ان الوقت حان للتحرك حسب خطة ميتشل (...) انا متشوق جدا للوصول الى هذه الخطة، لكنها لن تُبت حسب توقيت زمني معين بل حسب الاحداث على الارض»! مصدر اميركي قال لـ«الشرق الأوسط»، ان الاولويات الاميركية حاليا هي كالتالي: النفط اولا وثانيا وثالثا ثم اسرائيل رابعا، ولم يحدث ان واجه رئيس وزراء اسرائيلي اية ادارة اميركية وانتصر، ابتداء من ديفيد بن غوريون حتى بنيامين نتنياهو مرورا بشامير.

وكان باول صرح لوكالة «الاسوشيتد برس» يوم السبت الماضي (23 الجاري) ان الصراع في الشرق الاوسط بدأ يؤذي علاقات اميركيا مع الدول العربية، واستمرار الاصطدامات بين الفلسطينيين والاسرائيليين يسبب ضيقا كبيرا في العالم العربي «انهم يريدون حلا لهذه المشكلة ويريدون ان تحلها اميركا بطريقة صحيحة، لكن هذا ليس بالامر السهل».. لكنه اضاف انه لا يمكن البدء بأي شيء قبل ان يهدأ العنف الى «درجة مقبولة» كي تبدأ واشنطن البحث عن السلام بين اسرائيل والفلسطينيين.

وبعد ان حمّل وبطريقة غير مباشرة الفلسطينيين المسؤولية، كان لافتا تبني باول مطالب شارون، اذ قال: «ان شارون واضح في ما يريده، لا عنف على الاطلاق (...)» لذلك «قبل السلام يأتي الامن»! قد تكون تصريحات باول مرتبطة بطموحات مستقبلية، لكن وضع الاقتصاد الاميركي الذي حسب المصدر الاميركي لن ينقذه الا اسعار نفط منخفضة انعكس في تصريحات الرئيس بوش المغايرة لتصريحات شارون، فظهر ان ادارته حريصة على العلاقات الأميركية ـ العربية التي تؤثر فعليا على استقرار اسعار النفط واستمرار تدفقه خصوصا مع غياب النفط العراقي.

ويقول المصدر الأميركي، ان واشنطن قلقة الآن على وضع الاردن الاقتصادي والامني وهي متخوفة من ان تلتقي الازمتان الفلسطينية والعراقية في ساحته، فينهار بذلك النظام الاردني وتعم الفوضى وعندها قد يتزعزع استقرار المنطقة كلها. وكانت واشنطن توقفت كثيرا امام تصريحات ولي العهد السعودي الامير عبد الله بن عبد العزيز لصحيفة «الفايننشال تايمز» يوم الاثنين الماضي، فهو بدوره حذر من خطر الحرب في الشرق الاوسط، ثم حث على دور اوروبي فاعل لان «لاوروبا مسؤوليات اخلاقية وسياسية تجاه المنطقة التي كانت تستعمرها»، ثم دعا الى ارسال قوة دولية لمراقبة وقف اطلاق النار بين اسرائيل والفلسطينيين. الذي اقلق واشنطن رغم ان ولي العهد السعودي رفض اللجوء الى سلاح النفط الذي يؤذي «الطرفين، الدول الصناعية والدول النامية..» هو ان تصريحاته اضافة الى مواقفه جاءت في الوقت الذي تبحث فيه ادارة بوش عن علاج لأزمة الكهرباء التي تعاني منها كاليفورنيا والمهددة بالوصول الى نيويورك ومن ثم بالانتشار، ثم ان بوش يؤمن بمثل مشهور في تكساس يقول: «اذا وجدت نفسك في حفرة فأول ما عليك ان تفعله هو ان توقف الحفر».

فهل اوقف بوش الحفر في لقائه مع شارون؟ خلال اجتماعهما طلب شارون مساعدة عسكرية اضافية بقيمة 800 مليون دولار تُقدم على سنتين، فكان جواب الرئيس الاميركي بأن الامر صعب لما تبقى من السنة المالية لهذا العام، ورغم ان شارون برر حاجة اسرائيل لهذا المبلغ الاضافي للحصول على التكنولوجيا لمواجهة خطر الصواريخ الباليستية البعيدة المدى الا ان بوش اوضح ان الميزانية صارت لدى الكونغرس ولا يشعر بان هناك طارئا يستوجب تدخله كرئيس لتقرير هذا المبلغ الاضافي.

قبل وصوله الى واشنطن كان شارون يتخوف من ان تبدأ ادارة بوش بالضغط عليه لتسريع المسائل السياسية في خطة ميتشل، ولهذا كان يتمسك بان اسرائيل ما زالت في مرحلة التفاهم التي اقترحها جورج تنيت رئيس جهاز الـ«سي آي ايه» وانها لم تصل بعد الى المرحلة السياسية. وذكر مرافقوه انه اذا ما حاول الاميركيون اجبارهم على البدء بمرحلة التهدئة قبل ان يسيطر الهدوء الكامل، «حسب المبادئ التي وضعناها»، فان جواب شارون ببساطة سيكون الرفض، ولأن شارون يعرف ان الضغط الاميركي سيكون قويا فقد قرر ان يكون حازما في مواقفه خلال اجتماعاته مع بوش ومع باول وهو، حتى الآن، اصر على انه لن تكون هناك مرحلة تهدئة قبل الحصول على نتائج حقيقية ووقف كامل لاطلاق النار، وكذلك القاء القبض فلسطينيا على النشطاء في حماس والجهاد الاسلامي.

في نيويورك اشاع مرافقوه بأن شارون مستعد للمواجهة مع الادارة الاميركية وقد تبدأ هذه المواجهة في تفشيل رحلة باول الذي اتهموه بانه يريد هدوءا ما قبل ان يعلن البدء بتطبيق خطة ميتشل، لذلك قد تزعزع اسرائيل هذا الهدوء فتؤخر الاعلان وبالتالي يفشل باول في رحلته التي اعتبرها شارون خطوة متسرعة، لان عرفات حسب رأيه لا يقوم بما يتوجب عليه. ويقول مرافقوه ان شارون ـ حسب اوساط اميركية ـ قد يكون صار مستعدا للمواجهة في ما يتعلق بمسألة تجميد بناء وتوسيع المستوطنات، ويضيفون انه قد يؤجل توقيت المواجهة لكنها ستحصل حتما خلال اسبوعين او ثلاثة اسابيع على الاكثر! فهو يتخوف من ان يضاعف الاميركيون الضغط عليه لسحب قواته واعادة نشرها، فهم (الاميركيون) وبسبب ضغوط عربية واقتصادية ونفطية صاروا مدركين انه في الوقت الذي يطالب هو بوقف مطلق لاطلاق النار اولا، يريد الفلسطينيون تحركا سريعا نحو مفاوضات ذات مضمون، لانه بدونها لا يمكن المحافظة على وقف اطلاق النار.

من ناحيته وفي خطوة تكتيكية سبقت زيارة شارون لواشنطن ووصول باول الى المنطقة، استدعى عرفات ستة من كبار الصحفيين الاسرائيليين الذين رأوا في ما قاله لهم محاولة من قبله لاقناع الاميركيين بان الوقت حان لبدء تطبيق خطة ميتشل، اذ قال عرفات انه اعلن وقفا شاملا لاطلاق النار يطبق على جميع الجبهات ويشمل كل الاسرائيليين. وعندما سئل: بمن فيهم المستوطنون؟ اجاب: «كل الاسرائيليين. بعض المستوطنين التقوا بي. انا احترمهم جدا. بعض الحاخامات من المستوطنين التقوا معي وجرى بيننا نقاش طويل وبعض الامور الجيدة! جاءوا للقائي في بيت لحم في احد ايام اعياد الميلاد وكنت سعيدا بلقائهم». وقال عرفات ان هناك حاجة لجهود اضافية اخرى لوقف اطلاق النار «انما يجب ان يكون هناك تعاون بيننا لاننا لا نستطيع ارسال قوات او مراقبين الى المنطقتين «ب» و«ج» (الخاضعتين للأمن الاسرائيلي) انما معا وعبر تنسيق مشترك مع الاسرائيليين يمكن التوصل الى وقف كامل لاطلاق النار، انا اتمنى صادقا ان تتوقف هجمات بعض المستوطنين (...) الاتفاق ممكن ولا تنسوا ان اغلبية الشعب الاسرائيلي تريد السلام».

وقال عرفات ايضا ان اتفاق السلام ممكن مع شارون ومع اي حكومة اسرائيلية ثم اشتكى من ان الجنود والضباط الاسرائيليين يخلعون بزاتهم ويقومون بهجمات على الفلسطينيين كمستوطنين مدنيين، واشتكى من استعمال اسرائيل لليورانيوم. وعن التحريض قال: لست انا القائل بأن رأس الافعى يجب تهشيمه، انا لا اتحدث مثل موفاز (رئيس الاركان) او الوزيرين بن اليعازر وليبرمان. وابلغ عرفات الصحفيين الاسرائيليين انه اعتقل اعضاء من فتح اطلقوا قذائف هاون واعضاء من حماس والجهاد الاسلامي خططوا لخرق وقف اطلاق النار. هذا الكلام للرئيس الفلسطيني في غاية الاهمية، وسواء كان يعكس توجها حقيقيا او انه مجرد محاولة اعلامية، يظل من الضروري ان تحسب الاطراف الفلسطينية التي تتحرك على الارض خطواتها بدقة شديدة، بحيث لا يقدم اي طرف فلسطيني على اية خطوة تساعد شارون في معركته المقبلة مع ادارة بوش، خصوصا ان كفة ميزان الفرص التي اضاعوها تكاد تصل الى القعر، وشارون ينتظر عود ثقاب فلسطينياً ليعود الى طبيعته. المطلوب فلسطينيا هو الكثير من التأمل.. والكثير من الحكمة.