هل غير السعوديون رأيهم؟

TT

جاءت النتيجة إيجابية بأكثر مما كنت أظن، وذلك في استبيان مستقل اجرته دار اميركية محايدة تضم شخصيات مهمة من الحزبين الجمهوري والديموقراطي. مؤسسة «من أجل غد خال من الإرهاب» سألت عينة من أكثر من ألف سعودي، عبر الهاتف حتى تتأكد من النتائج بنفسها، وبشكل موثق، دون شركات استبيان وسيطة بعيدة يتم تعبئة بياناتها خارج رقابتها.

أما المثير فيها فليس أن اغلبية السعوديين ضد تنظيم القاعدة، وضد بن لادن شخصيا، فهذه حقيقة قديمة، لكن المدهش ان نسبة الرافضين سجلت خمسة وثمانين في المائة. انه يمثل في علم الاستفتاءات شبه إجماع ضد القاعدة، التي كانت تنشر أدبياتها في العالم الاسلامي بشكل مكثف، وبلغت شعبيتها نسبة لا يستهان بها في البدايات عندما كانت تتدثر بثياب المدافع عن المسلمين المضطهدين في العالم.

وأهمية هذه الشهادة أنها تضع الأمور في نصابها وتصحح الصورة العامة عن السعوديين المتهمين دائما بدعم التطرف والإرهاب. إن نسبة 15 في المائة من السعوديين تؤيد بن لادن تعد ضئيلة في محيط أي مجتمع، وليس مستغربا ان تجد مثلها في أي مجتمع آخر بما فيه الولايات المتحدة. فالشذوذ يؤكد سلامة موقف الأغلبية.

وبقية النتائج لا تقل إثارة. فأغلبية السعوديين يحبون الصين ويكرهون اميركا. لكن مع أنني اصدق النتيجة، وأنها بالفعل تعكس الشعور العام، إلا انه من المهم ملاحظة ان من النادر ان نجد بين مؤيدي الصين من يريد ان يقضي إجازته في شنغهاي، او يرسل مريضه للعلاج في بكين، او ابنه للدراسة في اي جامعة صينية، فالأغلبية تفضل الولايات المتحدة. الاكثرية السعودية تريد التعامل مع اميركا، وان كانت تكره السياسة الخارجية لواشنطن، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لأي قوة عظمى ذات سياسة نشطة في المنطقة المتشابكة القضايا ومتضاربة المصالح ايضا.

اما المشاعر المعادية لإسرائيل فهي طبيعية نتيجة الاحتلال والظلم المستمرين. وسيجد الاميركيون تغيرا صاعقا في رؤية السعوديين، وعموم العرب، لو نجح مشروع السلام وحقق في نهاية المطاف دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس مع حل عادل للاجئين. فأزمة الحكومات الاميركية المتعاقبة مع العرب كانت دائما تتمحور حول القضية الفلسطينية، اما بقية القضايا فإن العرب انفسهم مختلفون حولها. والمثير هذه المرة في الموضوع الفلسطيني ان الاكثرية السعودية تؤيد قتال فلسطين بنسبة واحد وخمسين في المائة. ومع انها أيضا تعكس الشعور الصادق الرافض للظلم إلا ان معد الاستبيان لم يسأل ان كان المستفتى نفسه مستعدا للقتال شخصيا. الحديث عادة عن قتال فلسطين يعني ان على الآخرين القيام بهذه المهمة، على المصريين او الفلسطينيين او اللبنانيين ان يقاتلوا اسرائيل. طرح هين لا يعالج حقيقة المشكلة، وهي اختلال موازين القوى العسكرية لصالح اسرائيل القادرة على كسب اي حرب تشن ضدها، او تستطيع تدمير الخصم مهما كان متحمسا وصبورا ومستعدا مثل حزب الله في حرب الصيف قبل الماضي. ولا يزال اللبنانيون يعانون من نتائج تلك الحرب المدمرة الى اليوم.

الاستبيان في نظري أعطى صك براءة للسعوديين المتهمين عاطفيا في شأن الارهاب، وهذا في حد ذاته يكفيهم.

[email protected]