لا أبديات أيها الزعيم

TT

قبل عامين نزل مئات الألوف من أهل اليمين الى شوارع كاراكاس، تدعمهم واشنطن علنا، مطالبين بسقوط هوغو شافيز. تحدى التظاهرات وبقي. وفي موعد الانتخابات الاخيرة، او الاستفتاء، قرر شافيز البقاء الى الأبد، فطلب من مواطنيه الموافقة على رئاسة مدى الحياة. وفوجئ بالنتائج. وفوجئ معه العالم. فالفقراء الذين كان يعتمد عليهم القومندان شافيز، خذلوه قبل الاغنياء ـ وهم قلة ـ وأهل الطبقة الوسطى. وسوف تنعكس النتيجة على مجمل أميركا اللاتينية التي أحدث فيها شافيز تيارا سياسيا، واستطاع بالدعم المالي ان يساهم في وصول عدد من الرؤساء الآخرين.

وربما كان هذا هو السبب الأساسي في تدهور شعبيته بين الفقراء. فقد تصرف بأموال فنزويلا ليعرض النفط مجاناً على فقراء البلدان الأخرى بما فيها الولايات المتحدة في مسرحيات مألوفة من القرن الماضي، أو ما يسميه اللاتينيون «عصر اليسار الطباشيري». وبعد عقود طويلة من خضوع القارة للديكتاتوريات المتوحشة التي كانت تفرضها وتمولها واشنطن، لم يكونوا يريدون الوصول الى ديكتاتوريات شعبوية قائمة على البهلوانيات الإعلامية والمسرحيات الفاشلة. يريدون العدالة والكرامة.

وفي مرحلة شعرت الدولتان الكبريان، البرازيل والارجنتين، بالرهبة من السنيور شافيز، الذي نصَّب نفسه وليا على الخلافات بأنواعها وخصوصا النزاعات الحدودية. واضطرتا، مثل سواهما، الى مسايرة المدِّ الجديد، الذي كان كلما احتاج الى صورة جديدة ذهب الى زيارة فيدل كاسترو في المستشفى. لكنه أخطأ في الطريق وفي الموعد. «فالفيدلتو» يحاول الآن ان ينقل كوبا من التجربة السوفياتية وخواتمها التعيسة، الى التجربة الصينية، التي تضمن بقاء «القائد» والحزب، في الشكل، وتعتمد اقتصادا مناقضا تماما في الجوهر والحقيقة.

وقد بدأ راؤول كاسترو في اعلان ـ وليس فقط اتخاذ ـ القرارات التي لم يكن من الممكن ان تحمل توقيع الشقيق الذي يحكم كوبا منذ نصف قرن. وربما هذا اقصى ما يستطيع جورج بوش ان يحلم به في الجزيرة المجاورة: دولة ترفع العلم الأحمر على السطوح، وتتعامل بالدولار في الممرات والأروقة. وربما يكون كاسترو آخر رئيسا «أبديا» أو «أزليا» في قارة الغناء والعذاب، حيث التخلف والفساد يبدوان «الابديين» الوحيدين، إلا اذا أخذنا في الاعتبار «الأبدي» الآخر، أي السياسة الأميركية التي لا تكف عن إثارة الشعوب من أجل سقطاء مثل الجنرال نورييغا، ثم تعود فتضعه في السجن وتحيله الى المحاكمة.. في فرنسا، حيث لا يمكن له التحدث عن تحالفاته الاميركية.

في أي حال، الشعب الفنزويلي دل شافيز على طريق الخروج. اما الأبد والابديات فله وحده تعالى.