حسابات «القاعدة» في الجزائر

TT

نشط تنظيم «القاعدة» خلال هذه السنة في منطقة المغرب العربي، بشكل يختلف عن ايقاع السنوات الماضية وذلك على المستويين الكمي والنوعي. ويمكن القول إن الجزائر استأثرت بنصيب الأسد من مخططات تنظيم القاعدة الذي اختار في الأيام الأخيرة حصد أكثر من ثلاثين روحا خلال تفجيرات، استهدفت مكاتب الأمم المتحدة والمحكمة الدستورية بالجزائر، وهي تفجيرات رغم كل الأوصاف التي قاربتها بها وكالات الأنباء والحكومات العربية والغربية المنددة، فإن المواطن الجزائري، الذي وصف التفجير كأنه القيامة، قد تفوق على كافة الواصفين.

وبالنظر الى مجموعة الأحداث البعيدة التواريخ نسبيا، يلحظ أن الهجوم الأخير تتوفر فيه خصائص تشير الى أن تنظيم القاعدة لا يزال يمتلك جهاز مناعة، يساعده على تسديد ضربات ذات دلالة، خصوصا أنه في شهر نيسان استهدف ثكنة تابعة للقوة البحرية وكذلك مقر الحكومة مما أسفر عن سقوط 23 قتيلا، وفي شهر أيلول الماضي تم استهداف موكب الرئيس بوتفليقة، الذي قتل فيه أكثر من ثلاثين شخصا. وهي أهداف نوعية، نعتقد أن تنظيم القاعدة يريد من خلالها أن يعبر عن قدرته في مواجهة فضاءات محصنة أمنيا.

ومن الواضح أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، الذي انضمت إليه الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية لديه حسابات خاصة، أملت عليه التركيز على الجزائر أكثر من أي بلد مغاربي آخر، بمعنى أن تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي، يتخذ من الجزائر المركز وذلك على ما يبدو للاعتبارات التالية:

ـ تعتبر القاعدة الجزائر تربة خصبة مواتية لمخططاتها وأهدافها، مستندة في هذه الفرضية الى العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر خلال التسعينات من القرن الماضي وذهب ضحيتها الآلاف من الجزائريين.

ـ هناك مرتكز تاريخي، يتمثل في طبيعة الاستعمار الفرنسي الاستيطاني، الذي عاشته الجزائر طيلة قرن وثلاثة عقود، استهدف هويتها الاسلامية والعرقية، الشيء الذي أنتج ردة فعل ضد التغريب وقوى الاستعمار وفسح المجال لظهور حالة من الصحوة الدينية، أساء توظيفها المتطرفون.

ـ تراهن القاعدة على الثقل الديمغرافي في الجزائر الذي يقارب الثلاثين مليون نسمة أي أنها تراهن على الرصيد الكبير من الشباب الحطب الأساسي لمشروعها.

ولكن هل أن هذه الحسابات «القاعدية»، ذات كفاءة عالية في الدقة ؟

إن ما فات القاعدة هو أن الشعب الجزائري من غير الممكن أن يسمح بأي انزلاق نحو سيناريو العنف والموت والقتل، فهو قد اكتوى واحترق بما فيه الكفاية على امتداد عشرية كاملة، مازالت جروحها وحرائقها ولم تندمل بعد في كل بيوت الجزائر.

ولعل الالتفاف الشعبي حول مشروع المصالحة الوطنية رغم صعوباتها النفسية، يعد دليلا قاطعا على تغلغل القناعة، بأن لا خيار غيرها لتستمر الحياة وطي ألبوم أسود من الصور المفجعة. فالشباب الجزائري اليوم يسعى الى تدارك ما فاته، لذلك تراه يقبل على الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة، بما يعكس رغبة مستبطنة للتواصل وللانتقام من عشرية العزلة. بل إن مشكلته الراهنة تتعلق بالبطالة والسكن وكيف يتحسس عمليا وماديا نصيبه من ثروات الغاز الطبيعي والنفط وفرص الاستثمار الأجنبية، التي هطلت على الجزائر في السنتين الأخيرتين.

من جهة أخرى لا ننسى أن جهاز الدولة اكتسب خبرة عالية في مواجهة هكذا تنظيمات وجماعات، بمعنى أنه يمكن أن يتلقى ضربات ولكن ليس واردا أن تمس مجال العمق وأن تخترقه. وكثيرة هي المؤشرات التي تدل أن الحكومة الجزائرية، هي اليوم متضاعفة القوة بعد أن اكتسبت ثقة مادية وشعبية. بالإضافة الى ان الشوط الذي قطعته منذ بداية الألفية الجديدة والى اليوم، قد جعلها أكثر صلابة وأقوى من حيث المناعة، بدليل نضج الدولة في موقفها الحاسم والرافض لإقامة أية قواعد أمريكية على التراب الجزائري.

لذلك، فإن مظاهر العنف والإرهاب في الجزائر اليوم، لا تمت بصلة الى كابوس العشرية السوداء الذي دفن الجزائريون شبحه الى الأبد: فالأوضاع كلها مختلفة والأسباب التي أنتجت الكابوس الطويل المذكور، لا نرى لها توالدا. فنحن أمام فرقعات، تربك للوهلة الأولى فقط ... ومن الصعوبة بمكان أن تفعل فعلها في أكثر الشعوب معرفة بالإرهاب وبالعنف وبجميع أقنعته.

[email protected]