دارفور: الواقع الأمني الجديد واحتمال عصيان عربي

TT

خلال العام المنصرم، شهد نزاع دارفور تغيّراً جذريا لم يصبّ في اتجاه الأفضل. وفي حين سُجل عدد وفيات أقلّ من فترة الاقتتال بين العامين 2003 و2004، إلاّ أنّ الوضع تبدل وتشتت الأحزاب وتضاعفت المواجهات مع تنامي احتمال وقوع أعمال عصيان بين صفوف القبائل العربية.

وفي الماضي تركز محور النزاع بين الحكومة السودانية (وميليشيا الجنجويد الموالية لها) وقبائل دارفور غير العربية، ولكن نجم عن حالة الاقتتال على الأرض والسلطة وقوع مواجهات بين العرب، مما بثّ بذور ثورة عربيّة متنامية.

وصعّد حزب المؤتمر الوطني الحاكم إستراتيجيته في دارفور، محدثاً تأثيراً مدمّراً، وانقسمت المجموعات الثوريّة في ما بينها. وبقيت بعض أسباب النزاع الأساسيّة في دارفور عصيّةً على المعالجة، من خلال جهود السلام الجارية. وما زاد الطين بلّة الانشقاقات في أوساط العرب، حيث تُحاول بعض القبائل تدعيم مطالبتها بالأراضي قبل وصول قوات الاتحاد الأفريقي / الأمم المتحدة لدارفور، مما أدّى إلى قتالٍ مع قبائل عربية أخرى أيقنت أن حزب المؤتمر الوطني لا يُشكل الضمانة الموثوق بها لمصالحها على المدى البعيد فبدأت تحمي نفسها بنفسها.

يشعر العديد من القبائل العربية، لا سيّما الجمّالون، بأنّ حزب المؤتمر الوطني استغلهم في السنوات الأخيرة. الآن وقد أصبحت آفاق نشر قوات حفظ سلام أمراً واقعاً، تنوي الخرطوم التخلي عنهم. وفي غياب حلٍّ يُعالج مشكلتهم، يرون أمامهم حلّين لا ثالث لهما: إما أن يستمروا في شنّ حربٍ بالوكالة، وإخضاع نفسهم لخطر المواجهة مع الأسرة الدولية وإما أن ينأوا بنفسهم عن حزب المؤتمر الوطني فيتحالفوا مع الأسرة الدولية. أياً كان خيار القبائل فهي قلقة بشأن تدعيم المكاسب التي حققتها في سنوات الحرب السابقة قبل وصول قوات حفظ السلام.

بالنظر إلى تغير العلاقة مع حزب المؤتمر الوطني، خصوصاً بعد اعتماد القرار 1706 عام 2006، بدأت العديد من القبائل العربية تعي أنّ دورها كجزءٍ من الجنجويد قد أساء إلى صورتها محليا. وعلى المدى البعيد، تعي القبائل العربية أنّ بقاءها من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية مرتبط بمجموعات حضرية غير متنقلة، مثل قبيلة الفور، التي ستبقى في أراضيها مهما اشتدت أعمال الثورة المضادة.

ومن البديهي على الأرض وجود احتمالات فعلية لمصالحة المجموعات العربية مع قبائل الفور والمساليت، مع أن هذا الاحتمال أكثر تعقيداً مع الزغاوة، خصوصاً التابعين لمني اركو مناوي، الذين حققوا مكاسب سياسية ومادية يرفضون التخلي عنها. والزغاوة مدججون بالسلاح ويُمكنهم أن يستمروا في مقاومة نزع السلاح والاندماج.

ان أية تسوية شاملة للصراع في دارفور ينبغي أن تعالج قضايا الأرض كما قضايا نزع السلاح، وأن تجد سبيلاً إلى ضمّ ممثلين عن القبائل العربية الى مفاوضات السلام. ولقد تدهورت الثقة بين المجموعات العربيّة إلى حدّ أن المصالحة بين القبائل العربية باتت مستحيلة، خاصة بعد انهيار العديد من اتفاقيات المصالحة القبلية، التي أشادت بها الحكومة ووسائل الإعلام. ولم تتمكن المجموعة العربية، وهي هيئة قيادة المصالح العربية في دارفور من حل هذه الأزمات المتنامية، لاسيما أن الميليشيات القبلية تعتبرها أقل جدوى مع مرور الوقت، ولكنّ القيادة العربية الأصلية المؤهلة، والقادة الكبار ما زالوا موجودين، وبالتالي إذا ما سُنحت لهم الفرصة يُمكنهم الالتزام بإيجاد حلٍّ دائم للنزاع في دارفور.

* كبير مستشاري إنترناشونال كرايسز غروب