نحو عولمة صحية

TT

أنهت الجمعية العامة للامم المتحدة، أول من أمس، ثلاثة أيام من المناقشات الواسعة ـ والحامية احيانا ـ لقضية صحية دولية الابعاد، هي مخاطر انتشار مرض الايدز (نقص المناعة المكتسب) في العالم، وذلك بتبني خطة موحدة، يصح ان تكون بداية مرحلة «عولمة صحية».

وبعد أن بلغ عدد المصابين بهذا المرض 36 مليون شخص في افريقيا وحدها، وتسبب في وفاة 22 مليون شخص خلال العقدين المنصرمين ـ حسب تأكيد الامين العام للامم المتحدة ـ لم يعد جائزا ترك اعباء مكافحته على عاتق قارة تشكو اصلا من ضعف امكاناتها المالية ومحدودية طاقاتها الصحية والتقنية، خصوصا ان هذا الوباء ليس قصرا على افريقيا.

قد يكون تزامن بحث موضوع الايدز مع تصويت مجلس الأمن، بالاجماع، على اعادة انتخاب كوفي أنان ـ ابن القارة الافريقية ـ امينا عاما للامم المتحدة لفترة ثانية، مدعاة تفاؤل باهتمام دولي متزايد بهذا الخطر، كما أوحى بذلك حرص أنان على حضور الندوة الدولية الخاصة بمرض الايدز في اديس بابا. ومع التسليم بأن المواجهة المباشرة لمرض الايدز يجب ان تكون على الجبهة الصحية أولا، يصعب التغاضي عن الخلفية الاقتصادية ـ الاجتماعية لهذه المشكلة، فوباء الايدز اصبح ملازما للمجتمعات الفقيرة والشرائح المحرومة مما يسمح بالاستنتاج بأن اتساع الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة يحمل في طياته مخاطر اجتماعية عديدة، قد يكون في مقدمتها تفاقم حالات وباء الايدز في افريقيا والعديد من دول العالم الثالث التي تعيش شعوبها على حافة العوز.

من هنا اهمية مطالبة الدول الغنية بأن تفعل المزيد من أجل محاربة الفقر الذي وصفه الرئيس السابق لصندوق النقد الدولي، ميشال كامديسو ـ في مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية الذي انعقد في بانكوك في فبراير (شباط) الماضي، بأنه «اكثر مخاوف العالم الحاحا».

وفي هذا السياق قد تصح العودة الى المطلب الذي طرحه الامين العام للامم المتحدة بشأن التوصل الى اتفاق عولمة جديد تمد، من خلاله، الدول الغنية يد المساعدة الى الدول الفقيرة، على غرار ما تفعل الدول الصناعية المتقدمة عندما تساعد المناطق المتخلفة داخل حدودها للحاق بركب التقدم. ويبقى انه في عالم ما زال «يتعولم» باطراد، بات واضحا أن اي مواجهة فعالة لوباء الايدز، تبدأ بتقليص الهوة القائمة بين الدول الغنية والدول الفقيرة، كما بات من تحصيل الحاصل أن المسؤولية الاساسية في تقليص هذه الهوة تقع على «الأقدر».. اي الأغنى ماديا وتقنيا.