هل عرفته؟

TT

قبل عامين في القاهرة، في حفل رسمي ـ اجتماعي، صافحني شاب وسيم قدم نفسه على أنه شيء، نكروما. وفاتني أن أسمع الاسم الأول. وتهافت عدد كثير من الحاضرين قائلين: «هل عرفته»؟ السؤال ساذج. هل من أهل جيلي من لا يعرف اسم نكروما؟ لقد ملأ الأرض ذات زمن. وكان رئيسا لغانا، لكنه كان زعيما لأفريقيا. ويجن من يعتقد أن كوامي نكروما لم يترك أثرا في الثورة الجزائرية وفي حركة تحرر أفريقيا، لكن يجن أيضا من لا يعتقد بأن الرجل الذي أطلق حركة التحرر، ساهم أيضا في حركة العبادة الشخصية، وأنشأ حركة تأليه الذات، وأن كل ما عرفناه فيما بعد من «القائد الملهم» و«المحرر» وما إلى ذلك من عوابر، كان من صنعه، بل هو الذي أطلق على نفسه أيضا اسم «المخلص» و«مسيح العصر» و«المغيّر في غانا وأفريقيا والعالم أجمع».

ولم يكن الدكتور كوامي نكروما في حاجة إلى أيٍّ من هذه الخزعبلات القاتلة. لقد كان لديه من الكفاءات أكثر مما عرفته أفريقيا كلها. ثلاث شهادات من أميركا في القانون والفلسفة وعلم الاجتماع. لكن عندما وصل إلى السلطة في أكرا تحول الرجل المجتهد إلى جامع ألقاب: «إنه والدنا ومعلمنا وأخونا وصديقنا، بل هو في الحقيقة حياتنا لأنه لولاه لما وجدنا ولما عشنا. لولاه لما كان هناك أمل لأرواحنا المريضة بالشفاء ولا معنى لانتصارنا التاريخي. إننا مدينون له بأكثر مما نحن مدينون للهواء الذي نتنفس، لأنه هو الذي صنعنا وهو الذي صنع غانا».

هل كان كوامي نكروما في حاجة إلى كل ذلك، أو إلى أي شيء منه؟ لا. لكنه عشق السلطة ولا شيء آخر. وعندما أراد الزواج لم ير حوله امرأة يريدها فطلب من جمال عبد الناصر أن يعثر له على زوجة. وأرسل له عبد الناصر عروسا لم يرها من قبل. وفي يوم عرسه بالذات لاحظ وزيره، الكابتن هاميلتون، أنه يرتدي ثيابا أنيقة جدا فقال له «سيدي الرئيس، تبدو وكأنك ذاهب إلى عرس». ولم يعلق الرئيس بشيء.

أثمر الزواج عن ثلاثة أبناء، ربما كان الشاب الذي التقيته أصغرهم سنا. وكانت فتحية رزق شابة لا تتحدث لغته، فيما كانت نساء غانا يتمنين التقرب منه، لكن نكروما أراد أن يبقى في وحدته، بل عزلته. ولم يكن يدرك أنه فيما يغرق في عزلته كان نظامه يغرق في الفساد. وفيما تزوج من سيدة لا يجيد لغتها كان أعضاء حزبه الحاكم يكدسون المحظيات والثروات. وفيما انصرف إلى العزلة كانت بلاده تغرق في الديون، هو الحامل الاختصاص في الاقتصاد. ولم يصرف طموحاته في حدود بلاده، بل أراد إقامة أفريقيا موحدة تتخطى الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. بدل أن يعالج وضع بلاده راح يتدخل في شؤون الآخرين، حتى لم يعد سوى القليلين من الأفارقة على علاقة معه. وأثار حتى جيشه عليه عندما راح يدلل الحرس الجمهوري. وفيما كان في زيارة إلى بكين عام 1966 راح الجيش يحطم تماثيله. وقفز الحفاة عليها كما قفزوا على تماثيل صدام حسين. نزلوا إلى الشوارع حاملين شعارات تقول «نكروما ليس هو المنقذ». وعندما صافحني نجله الأصغر في القاهرة والذين حوله يسألون: «هل عرفته»؟ كان يخطر في بالي أن والده كان يمكن أن يكون ـ لو عقل ـ سيمون بوليفار أفريقيا.