بوش: نصر في العراق وفشل مع إيران وتعادل مع كوريا

TT

بعد أربعة شهور فقط من هجمات 11 سبتمبر 2001، وصف الرئيس جورج بوش كلا من إيران والعراق وكوريا الشمالية بـ«محور» الشر، وأعلن ان إضعاف هذه الأنظمة المارقة يعتبر من المهام العاجلة ذات الصلة بالأمن القومي الاميركي. ومن المؤكد ان الرأي العام سيحكم على مدى نجاح بوش في هذا الجانب.

بعد مرور ستة أعوام على حديث بوش ومع اقتراب انتهاء فترة إدارته في البيت الأبيض، سيكون بوش قد انتصر في العراق وفشل في التغلب على إيران وتعادل مع كوريا الشمالية.

فيما يتعلق بإيران، تراجع بوش عن مواجهتها عقب صدور تقرير الاستخبارات الذي جاء فيه، ان إيران أوقفت العمل في برنامجها النووي. وفي واقع الأمر إيران أوقفت فقط العمل في جانب واحد من برنامجها النووي هو التسليح.

الجانب الأكثر صعوبة في البرامج النووي، هو إنتاج الوقود النووي، وإيران في واقع الأمر مستمرة في تخصيب اليورانيوم، وتعمل في تحد واضح لقرارات مجلس الأمن. جدير بالذكر في هذا السياق ان الوقود النووي إذا توفر، فإن إنتاج القنبلة النووية لا يستغرق سوى بضعة شهور فقط. لذا من السخف الحديث عن وقف العمل في البرنامج النووي الإيراني في وقت لا تزال فيه عمليات تخصيب اليورانيوم مستمرة. وهذه حقيقة حتى إذا تجاهلنا تقارير المنشقين الأخيرة التي جاء فيها ان برنامج التسليح الذي زعم انه توقف عام 2003 استؤنف العام التالي، على العكس من النتيجة التي توصلت إليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ينبغي على الإدارة الاميركية إدراك ان الرسالة المغلوطة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تتلخص في ان إيران أوقفت العمل في برنامجها النووي لم تتسبب فقط في استبعاد الخيار العسكري من على الطاولة، بل عرقلت أيضا فرض أية عقوبات إضافية على طهران. ويمكن القول ان بوش سيتصرف طبقا للتقارير الأخيرة حول النشاط النووي لإيران حتى نهاية رئاسته وسيترك أمر القنبلة النووية الإيرانية لخلفه.

اما كوريا الشمالية، فقد نجحت الولايات المتحدة في إقناع كيم جونغ ايل بوقف العمل في برنامج إنتاج البلوتونيوم. والخطوة التالية هي ان تكشف بيونغيانغ عن كل نشاطاتها النووية، وهذا يعني على وجه التحديد توضيح تفاصيل الإنتاج النووي السابق والبرنامج السري لتخصيب اليورانيوم حتى يصبح ممكنا المضي قدما في التطبيع مع كوريا الشمالية.

وقف العمل في مفاعل البلوتونيوم يعتبر إنجازا، ويمكن القول ان الولايات المتحدة نجحت في جمع معلومات مهمة من خلالها وجودها على الأرض للتفتيش. إلا ان كل ذلك لا يعني بأية حال، ان هناك أملا في تخلى كوريا الشمالية تماما عن مخزونها الحالي من الأسلحة النووية أو ضمان عثور الولايات المتحدة على برامج سرية، دعك عن وقف العمل فيها.

على العموم، نجحت الولايات المتحدة في الحصول على ما أمكنها الحصول عليه من بيونغيانغ.

فيما يتعلق بالعراق، القصة مختلفة تماما. بصرف النظر عن الصعوبات التي ظهرت، فإن نجاح الولايات المتحدة خلّص العالم من صدام حسين وابنيه المتوحشين.

إطاحة نظام صدام حسين أدت إلى وقف المشروع النووي الليبي كاملا، وأدت بلا شك إلى تعليق إيران لعمليات التسليح عام 2003. كما ان الولايات المتحدة نجحت أخيرا في التوصل إلى استراتيجية فاعلة لمكافحة التمرد.

نجح بوش بعد ثلاث سنوات في العثور على جنرال حول حربا خاسرة إلى انتصار. فبغداد وواشنطن تناقشان حاليا اتفاقا طويل المدى بشأن قواعد اميركية من المحتمل ان تمنح الولايات المتحدة وجودا عسكريا دائما في المنطقة، وعلاقة تعاون وثيق مع أهم دولة في قلب منطقة الشرق الأوسط، وهذا في حد ذاته إنجاز استراتيجي أساسي. رغم ذلك، ستستمر الضغوط على الإدارة الاميركية الحالية والمقبلة بغرض الخروج نهائيا من العراق. فهناك من يعتبرون ان هدفنا الوحيد في العراق هو خفض حجم القوات، بدلا عن تأمين حليف عربي مهم في منطقة ذات أهمية استراتيجية قصوى.

بالنسبة لكوريا الشمالية وإيران في ظل عدم وجود خيارات حقيقة في يد واشنطن، اتجهت الولايات المتحدة إلى خط النهاية، وقد فعلت ما اقترحه السناتور جورج ايتكين بشأن فيتنام: اعلنوا الانتصار واخرجوا عائدين. يمكن تفهم هذه القرارات في ظل الافتقار إلى وجود خيارات.

ولكن إذا طبق بوش أو خلفه في البيت الأبيض اقتراح السناتور ايتكين في العراق، فإن حكم التاريخ لن يرحم.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)