صك البراءة من ابن لادن و«القاعدة»!

TT

فجأة علمنا أن الشعب السعودي لا يؤيد الإرهاب، وبالصدفة الاستفتائية المحضة أدركنا أن أغلبية السعوديين الساحقة لا تتعاطف مع ابن لادن. وبمعلومة أكاديمية عرضية، عرفنا أن السعوديين لا يحبون أمريكا ويفضلون عليها الصين!! فقط لأن مؤسسة أمريكية تسمى «من أجل غد خال من الإرهاب» أصدرت صك البراءة من خلال استفتاء أجرته أخيرا على عينة عشوائية من الشعب السعودي جاءت نتائجه مفاجئة لهم ولبعض مثقفينا وليس للشعب السعودي.

كان الغربيون وبعض مثقفينا يتصورون أن الشباب الخمسة عشر سعودياً الذين وكزوا برجي منهاتن الأمريكيين فقضوا عليهما ما هم سوى أذنين صغيرتين لجمل إرهابي سعودي ضخم، أو مخلب لسبع سعودي مرعب، فتصوروا أن النسبة الغالبة للشعب السعودي إرهابي التوجه متطرف بالفطرة متشدد بالسليقة. فصدرت أحكام متوترة مضطربة على كثير من المدخلات السعودية من مناهج تعليمية ومؤسسات دينية رسمية أو شعبية كهيئة كبار العلماء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومؤسسات الإفتاء ومراكز تحفيظ القرآن والمراكز الصيفية.. كل هذه المدخلات ظنوا أنها وراء مخرجات الإرهاب التي عانت منها أمريكا وعانى منه العرب والسعوديون، بل إن بعضهم وصلت به الوقاحة إلى حد تحميل الدولة السعودية مسؤولية الإرهاب بسبب انتمائها الإسلامي وتحكيمها للشريعة، بل وصلت سخافة هذه الاتهامات المبنية على الخصومة الفاجرة والتعميمات الجائرة إلى درجة تحميل المؤسسات الدعوية والعلمية تردي نتائج المنتخب السعودي قبل سنتين!!

ومع أني لا أبرئ هذه المؤسسات الدعوية ولا غيرها من التجاوزات والأخطاء والقصور في تطوير قدراتها وتأهيل موظفيها، بل تقصيرها في معالجة مواضع الخلل فيها، إلا أنني أرى في نتائج استفتاء مؤسسة «من أجل غد خال من الإرهاب» تبرئة ضمنية لهذه المؤسسات الإسلامية من الإرهاب، بل ولجملة العلماء والدعاة والمفكرين ومناشطهم وليس للشعب السعودي فقط، وهو ما سبق أن نبه إليه عدد من المثقفين السعوديين، لكن لأن البراءة هذه المرة صدرت من مؤسسة غربية فلها ترحيب وقبول.

فعلا زامر الحي لا يطرب، ولهذا أطرب بعضَنَا زامر هذه المؤسسة الأمريكية حين أصدر صك براءة السعوديين من التعاطف مع «القاعدة» وزعيمها أسامة بن لادن والإرهاب (85 في المائة من السعوديين ضد تنظيم «القاعدة» وزعيمه بن لادن)، وإلا فأنا متأكد أن كثيرا من «زامري» الشعب السعودي من باحثين ومفكرين وأكاديميين وكتاب بحثوا واستفتوا ووزعوا استبياناتهم في دراسة ظاهرة الإرهاب وجذورها وخرجوا بحقائق أكثر دقة خلصت إلى نفس النتائج التي خلصت إليها مؤسسة «من أجل غد خال من الإرهاب»، إلا أن نتائج هذه البحوث الأكاديمية السعودية لم تجد ذات الرعاية الإعلامية التي حظيت بها نتائج المؤسسة الأمريكية، والسبب أننا ما زلنا مسكونين بعقدة «الخواجة»، تماما كما نفعل مع الطبيب العربي ذي السحنة السمراء المتخرج في أحسن المؤسسات الطبية الأمريكية، وصاحب التجربة العملية الثرية لا نحتفي به لا ماليا ولا معنويا كما نحتفي بالطبيب الأمريكي ذي السحنة البيضاء حتى ولو كان مهنيا على درجة أقل، وقل نفس الشيء عن الأكاديميين والمختصين والمستشارين وكذلك البحوث المسحية والإحصائية؛ ومنها مؤسسة «من أجل غد خال من الإرهاب» التي أشيد بحياديتها ومصداقيتها.

تبقى المشكلة وعقدة النقص هذه فينا نحن حين يطربنا زامر أمريكي ولا يطربنا زمار حينا.

[email protected]