أهل الثقة أم أهل الكفاءة؟

TT

جرت العادة في العالم العربي أن يتم اختيار المناصب الكبرى في الحكومات والمجالس الرسمية المختلفة بكثير من الغموض والسرية التي لا داعي لها وتفسح المجال للكثير من الاشاعات والأقاويل. وهذا الوضع هو حصيلة مباشرة لذهنية الريبة والشك التي تحكم قرارات اختيار المناصب في عالمنا العربي، الأمر الذي أدى إلى وجود مدرستين أساسيتين تحكم اختيار الأشخاص للمناصب، وهاتان المدرستان هما أهل الثقة وأهل الكفاءة. وهناك تباين كبير بين الاثنين، فمدرسة أهل الثقة تعتمد على نقل المعلومة حتى ولو كان على حساب الأداء الكفء والنتائج الحميدة. أهل الكفاءة هم في الأساس مرشحون لأسباب موضوعية خارجة عن أي إطار شخصي، وبالتالي فإن عنصر الولاء لا يكون (في تصور البعض) مطلقاً. وقد أدى ذلك إلى «شخصنة» مناصب أهل الثقة، وأصبح بالتالي أي انتقاد لأحد منهم هو انتقاد لذات الحاكم وسلطته بغض النظر عن كفاءة الأداء ونوعيته. وقد أدى ذلك، بالطبع، إلى انحسار كبير في الثقة بين المواطن والمسؤولين المعنيين، وأصبحت لديه قناعة بأن الأمل مقطوع طالما كانت التعيينات تتم بهذه الطريقة مما يؤدي إلى تعطيل آلية المحاسبة والتقييم والمراقبة. والقضية الأهم هي قضية الوهن أو الهزال الذي آل إليه أمر منظومة الثواب والعقاب في حياتنا الاجتماعية، والواضح أن هذا الضعف الشديد تفشى في جميع مجالات الحياة، وفي جميع مستوياتها، لا يستثنى من ذلك مجال ولا مستوى. ولما كانت منظومة الثواب والعقاب ترتبط بمؤسسة العمل ارتباط الشرط، وهو ما يهدد كيان العمل بأوخم العواقب في المستقبل القريب والبعيد ناهيك عما يقع في الحاضر، ولما كان لمؤسسة العمل ما لها من مكانة مركزية في حياة المجتمع، فقد بات واضحاً لكل ذي بصيرة وشعور بالمسؤولية العامة، أننا بدأنا بالمسؤولية ننتهك الحدود التي لا يجوز تخطيها، لأن خراب التكامل والاستقرار في تخطيها، في اتخاذ القرار وبالتالي صعوبة مناقشته وطرحه وعلاج أضراره، وقد تسبب ذلك طبعا في أن يكون أي منصب اختير بهذا الأسلوب مفرداً، أن يكون مرتعاً للمحاسيب والأنصار وبؤرة محتملة للفساد الإداري. ولعل المتأمل في الحالة الإدارية بعموميتها في عالمنا العربي اليوم يستطيع ان يدرك فداحة الوضع وخطورته وأهمية تغييره، إذ لا بد أن يكون لأهل الكفاءة دور في تطوير أدوات العمل وصناعة القرار وتنفيذه، إذ بدون ذلك سيبقى العالم العربي فريسة للأهواء الشخصية والطموحات الواهية ووقتها لن تفيد أي هيئات ترويج أو وزارات تطوير أو مجالس تنمية وستتحول جميعها أحلاما وردية للسلطة وكوابيس مقلقة للشعوب. لقد آن أوان نظرة صادقة وموضوعية ومنصفة لأسلوب التعيين ومنح المناصب في عالمنا العربي ومعرفة أن الخطأ في الاختيار مكلف ويعطل المنطقة عن فرص النمو والتطور، وتغيير ذلك لن يتأتى إلا بإرادة صادقة. ويبقى السؤال: هل لدينا هذه الإرادة؟