حكاية نجمة خارقة

TT

ان شئت بالتبسيط الشديد ان تعرف الفرق بين سعاد حسني وغيرها من الممثلات، فخذ أحد الافلام التي قامت ببطولتها، وقارن دورها بذات الدور الذي قامت به ممثلة اخرى وسوف ترى الفرق الحقيقي بين سعاد وغير سعاد.

وليكن ذلك الفيلم «جزيرة النساء» الذي مثلته سعاد حسني مع احمد زكي وهو آخر افلامها، ومن الافلام التي مثلتها ايضا ناديا الجندي امام محمود حميدة، وفي الفيلمين يتعرف المشاهد الى فروق حقيقية وعميقة بين الجزر والنساء.

وقد قام باخراج «جزيرة النساء» لسعاد حسني علي بدرخان اول ازواجها، هذا اذا اهملنا حكاية زواجها السري من عبد الحليم حافظ، وهي قصة مؤكدة بثلاثة شهود بدلا من اثنين، لكن سعاد حسني التزمت الصمت حيالها ومن يدري فقد يكون في اوراقها ما يجلو الكثير من الجوانب الخاصة لشخصيتها الثرية فنيا وانسانيا، المهم ان علي بدرخان اتى في ذلك الفيلم كمنقذ وكانت سعاد حسني قد بدأت تعاني من الانهيار النفسي بعد فشل فيلم «درجة تالتة» الذي اقنعها به زوجها الثالث ماهر عواد وكانت بعد نجاحاتها الكبيرة والمدوية ـ ككل ناجح متفوق ـ لا تطيق الفشل، وقد نجح علي بدرخان فعلا ان يعيد بذلك الفيلم بعض الثقة بالنفس الى سعاد حسني، لكن مرحلة الانهيار كانت قد بدأت من جراء مرض قديم وشروخ نفسية عميقة.

ولعل الذين تابعوا سيرة سندريلا الشاشة العربية يعرفون انها اصيبت في عمودها الفقري اثناء بروفات فيلم «المتوحشة»، لأنها اصرت على ان تقوم بتمرينات السيرك بنفسها، وكان المخرجون والممثلون يكتفون عادة باستئجار كومبارس ليقوم بالادوار الخطيرة نيابة عنهم، لكن هات من يقنع سعاد حسني العاشقة للمغامرة باستبدالها بكومبارس!!.

وقد قامت النجمة الكبيرة في ذلك الفيلم بدور فنانة استعراضية في سيرك متجول وهو من الادوار التي تذكر بدورها الاستعراضي الاكبر في فيلم «خلي بالك من زوزو» الذي رفعت فيه الى الاضواء الفنان حسين فهمي، وكانت في فيلم «المتوحشة» قد قدمت للسينما ايضا نجمها الصاعد ـ آنذاك ـ محمود عبد العزيز وسيصبح الاثنان لاحقا من ألمع نجوم ذلك الفن. اما نور الشريف فقد وقف امامها في فيلم «القاهرة 30» الذي يعري دور دولة المخابرات الخاصة التي انشأها صلاح نصر كما قيل، لكن هذه القصة لا تزال ملتبسة وبحاجة الى توضيح، خصوصا ان اعتماد خورشيد في كتابها السيئ الذكر عن تلك المرحلة، كانت قد اتهمت سعاد حسني وفنانات اخريات بالتعامل مع الاجهزة السرية. وتلك تهمة لم تثبت ولم تؤثر في سمعة الفنانة الكبيرة التي كانت تتربع على عرش الشاشة وقلوب الجماهير بثبات لا تهزه الشائعات.

وبما اننا ذكرنا فيلم «القاهرة 30» لا بد ان نلاحظ ان سعاد حسني قدمت اكثر من فيلم سياسي ابرزها «الكرنك» و«على من نطلق الرصاص». وبالاضافة الى الافلام السياسية والافلام الاستعراضية وهما العمودان الاساسيان اللذان تنهض عليهما شهرتها كممثلة متميزة، كان لسعاد حسني نصيب من افلام التحليل النفسي وذلك في فيلم «زوجتي والكلب» الذي اخرجه لها سعيد مرزوق وفيلم «دعوة على العشاء» الذي قام ببطولته امامها حسين فهمي واحمد زكي معا وكان حسين يقوم بدور الزوج واحمد بدور العشيق.

وهكذا ترى ان شهرة سعاد حسني واسطورتها الكاسحة لم تأت من فراغ فقد كانت فعلا وليس قولا، فنانة شاملة ونجمة شباك وممثلة جادة تحرص على ترسخ القيم الاصيلة في نفوس جمهورها. على سبيل المثال فهي اول فنانة تحول دور العوالم في شارع محمد علي من مجرد فرفشة وهز وسط الى دور انساني تحرص فيه الراقصة وابنة الراقصة على التعليم لتغير شكل مستقبلها وتحصل على حياة كريمة.

وبين الفني والشخصي في حياة سعاد حسني اكثر من رابط ففي كل مرة كانت تفشل فيها عاطفيا كانت تنجح فنيا وتتخذ من عملها وسيلة للتعويض عن فشل حياتها الشخصية التي شهدت الكثير من الاحباط والقليل من استراحات السعادة الرغيدة.

وبعض الذين يعرفون الفنانة عن قرب يؤكدون ان حياتها العاطفية كانت مجموعة من ردود الافعال، فحين طلقها علي بدرخان وارتبط بشابة اصغر سنا منه ذهبت سعاد وتزوجت من زكي ابن فطين عبد الوهاب الذي اخرج لها فيلم «اشاعة حب»، ثم كان زواجها الثالث رسميا من ماهر عواد، ذلك الزواج الذي تعقد وعقد حياتها لاحقا بعد فشل فيلم «درجة تالتة».

لقد كانت سعاد حسني تحس بجرح عميق على المستوى الشخصي والعائلي، فأسرتها كبيرة ومتشعبة، لكن الروابط بينها مفككة، فلم يقم أحد من تلك الاسرة الضخمة بزيارة الفنانة اثناء مرضها الطويل الذي حملها من باريس الى لندن، حيث لاقت حتفها قبل اسبوع بنهاية سينمائية تليق بحياتها وماضيها.

وهناك اسئلة كثيرة تتعلق بتلك النهاية المأساوية بين من يعتبرها انتحارا ومن يضع سيناريو مدبرا لجريمة قتل مع فريق ثالث يبسط الامور ويضع النهاية في اطار «اختلال توازن» من شرفة عالية.

ومهما كان الجواب، وقد يطول الامر وتتشعب التحقيقات قبل ان نعرف الجواب، فإن نهاية سعاد حسني بتلك الطريقة لن تؤثر في مكانتها في قلوب محبيها، سواء انتحرت او سقطت او قتلت فإنها ستظل ملكة على عرش القلوب وسيمضي وقت طويل قبل ان تنجب السينما العربية نجمة اخرى بهذه المواصفات الخارقة.