سيادة المغرب على الصحراء رافقت كل مراحل معالجة الأمم المتحدة للملف

TT

ليست هذه هي المرة الأولى التي فيها تقرر منظمة الأمم المتحدة ايقاف عملية الاستفتاء في الصحراء الغربية. ففي 1974 كانت الجمعية العامة للمنظمة قد أوصت بايقاف التحضير للاستفتاء واحالة سؤال على محكمة العدل الدولية بشأن النزاع على السيادة على الاقليم. وبعد ذلك بشهور كان الأمين العام آنذاك كورت فالدهايم قد أعد مشروعا لتسوية سياسية بين الأطراف المعنية والمهتمة اضطر الى التخلي عنه أمام التطورات التي سارت بالأمور في وجهة أخرى. ويذكر المندوب الدائم لاسبانيا في المنظمة الدولية السفير خايمي دي في كتاب له أنه تلقى توبيخا من فالدهايم حينما فوجئ باتفاقية مدريد بتاريخ 14 نوفمبر 1975 التي أنهت الوجود الاستعماري لاسبانيا في الاقليم، والتي تم التوصل اليها مباشرة بدون الحاجة الى تدخل الأمم المتحدة. ونتيجة الاستياء من ذلك كان فالدهايم قد عارض أي اقحام للمنظمة في ما بعد في الاشراف على تطبيق اتفاقية مدريد.

ولكن المنظمة وجدت نفسها غارقة في الموضوع، مجرورة الى اصدار توصيات بشأنه سنة بعد أخرى، نتيجة أجواء ما قبل سقوط جدار برلين، مما أثقل الملف بحيثيات وبنود ومقولات طمست طبيعته كنزاع جيوسياسي وحصرته في تقنيات وآليات تقرير المصير.

وفي المرحلة الراهنة التي بدأت مع التسعينات أصبحت المنظمة الدولية تتكبد نفقات باهظة، 4.1 مليون دولار في الشهر للانفاق على المينورسو (البعثة الأممية للاشراف على الاستفتاء). وتتجدد ولاية المينورسو على فترات قصيرة على أمل التوصل الى حل قريب. ولكن كما قال الأمين العام كوفي عنان في تقريره الأخير : منذ ست وعشرين سنة تطلب الأمر خمس سنوات من التفاوض حول مقترحات الأمم المتحدة المتعلقة بمخطط التسوية. وتطلب الأمر عشر سنوات لمحاولة تطبيق ذلك المخطط. وفي غضون ذلك قام ثلاثة أمناء عامين بمساع متواصلة لتقريب وجهات النظر في ما بين الأطراف. وساعد في ذلك خمسة ممثلين خاصين للأمين العام، ومبعوث شخصي. وأشرف هؤلاء على العديد من الاتصالات المباشرة وغير المباشرة، دون التمكن من تصور مخرج قريب للمشكل.

وأمام هذا الباب المسدود، ظهر للمبعوث الشخصي، جيمس بيكر، أن عدم اتفاق الطرفين على لائحة من تحق لهم المشاركة في الاستفتاء، يجب ألا يقف حجر عثرة من دون استكشاف طرق أخرى لايجاد المخرج المطلوب. ولم تخف الأمم المتحدة طيلة ما مضى من الوقت أنها لن تستمر الى ما لانهاية في انتظار حصول اتفاق. وطرح بطرس غالي في وقت من الأوقات أن تنسحب المنظمة من الملف وتقتصر على فرق مراقبة وقف اطلاق النار. ولاحظ الأمين العام الحالي في تقريره الأخير أن مخطط التسوية انطوى على عيب واضح حينما أخضع آليات مخطط التسوية الى ضرورة اتفاق الأطراف، وهو شيء لم يحصل ولا يظهر أنه سيحصل، سواء تعلق الأمر بلائحة المصوتين أو بباقي المراحل الأخرى مثل عودة اللاجئين والإفراج عن الأسرى والحملة الانتخابية وغير ذلك من التفاصيل المتعلقة بتطبيق المخطط.

ووصف عنان المأزق بعبارات استعارها من ميدان المقامرة، فذكر أن الفائز في العملية الاستفتائية سيفوز بكل شيء، والخاسر سيكون عليه أن ينسحب تماما من المسرح. وهذا ما أدى الى دعوة الأطراف الى البحث عن مقاربة جديدة تنتهي بحل سياسي، أي بصيغة تفترض أن يتنازل كل من الطرفين عن جزء من مطالبه بغية التوصل الى حل توفيقي. وفي سبتمبر الماضي دعا مجلس الأمن فعلا الى حل ثالث، غير الاندماج وغير الاستقلال. وفي اجتماع برلين أعلن المغرب أنه على استعداد للدخول في حوار مباشر مع البوليزاريو للوصول الى حل سياسي في دائرة ما يسمح به الدستور المغربي. ويطلب الآن من المغرب أن يقبل تفويت بعض الصلاحيات الى سكان الأقاليم الصحراوية عبر جهاز تنفيذي وآخر تشريعي. وبعد أربعة أعوام يدعى سكان الأقاليم الصحراوية الى الاستفتاء على الوضع النهائي.

وينص المقترح على دعوة كل من الجزائر وموريتانيا للمشاركة في التفاوض على المقترح الاطاري كشاهدين، وكل من الولايات المتحدة وفرنسا كضامنتين للاتفاق. وهذا عنصر جديد يظهر أن الدافع اليه هو المراهنة على تطور ايجابي يمكن أن يحدث في السنوات الخمس القادمة على صعيد المنطقة يفضي بدولها الى تغيير مقارباتها بشأن التعاون فيما بينها، واحلال أجواء مغايرة لما هي عليه الأمور الآن. وتبعا للمذكرة التي وجهتها الجزائر الى الأمين العام بشأن المقترح الذي تقدم به المبعوث الشخصي جيمس بيكر، فانها تعتبر أن هذا المقترح متحيز للمغرب، لأنه لا يتصور حلا آخر غير اندماج الاقليم في السيادة المغربية. وتتضمن المذكرة الجزائرية المسهبة عشرين ملاحظة على المقترح تصب كلها في استبعاد الحل الاندماجي. ودافع الأمين العام عن مقاربته الجديدة بحجة رئيسية وهي أن المشاركة في اقامة الجهاز التنفيذي ستكون مفتوحة فقط أمام أولئك الصحراويين الذين قبلت ملفاتهم في نطاق مسلسل تحديد الهوية حتى 31 أكتوبر 2000، أي على أساس القائمة المؤقتة للناخبين التي وافقت عليها الجزائر والبوليزاريو. وفي ما يتعلق بممارسة المغرب لصلاحيات السيادة، قال الأمين العام في تحليله للمذكرة الجزائرية ان الأمر لا يخرج عن حالات نقل السلطة من الحكومة المركزية أمام الصلاحيات والسلطات التي تملكها الحكومة المركزية في جميع حالات نقل وفق المعايير الدولية. وما لم يذكره الأمين العام هو أن الأمم المتحدة لا تنطلق من فراغ في نظرتها الى هذا الجانب باعتبار أنه طيلة معالجتها لملف الصحراء كان موضوع السيادة المغربية على الاقليم هو جوهر المسألة. انه حتى ما اذا اعتبرنا أن المسلسل الحالي، أي مخطط التسوية الذي أعده خافيير بيريز دي كويليار، مرحلة متميزة عما سبقها، فهو نابع من سياق متسلسل يرجع الى ما قبله. ومصدر تميز المسلسل الحالي يكمن فقط في أن مجلس الأمن تولى من دون الأجهزة الأخرى للأمم المتحدة، تصريف المراحل الاعدادية للاستفتاء. واذا كان مخطط التسوية قد برز في التسعينات، فانه سليل توصيات متواترة للجمعية العامة، عالجت ملف الصحراء في مرحلتين، الأولى منذ القرار الصادر في 16 أكتوبر 1964 تجاوبا مع طلب من المغرب، حتى القرار الصادر في 1974 بشأن احالة السؤال القانوني على محكمة العدل الدولية. وفي هذه المرحلة كان الملف مطروحا كنزاع بين المغرب كدولة تطالب باستعادة أجزاء من ترابها ودولة تستعمر ذلك التراب وهي اسبانيا. وفي القرار الصادر في 15 ديسمبر 1965 دعت الجمعية العامة اسبانيا الى «الدخول في مفاوضات حول السيادة التي تطرحها هذه الأراضي». (وكان الأمر يتعلق في وقت واحد بكل من ايفني والصحراء الغربية).

المرحلة الثانية تشمل ما بين 1975، أي بعد المسيرة الخضراء واتفاقية مدريد، حتى 1988، حينما تولى الأمين العام تحت اشراف مجلس الأمن التفاوض ثم محاولة تطبيق مخطط التسوية. وهي المرحلة التي عرفت أكثر ما يمكن تصوره من التعقيدات. وحفلت هذه المرحلة بالعديد من التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة التي ازدادت عبر السنين ثقلاً لا مزيد عليه بالحيثيات والبنود والمقولات، التي حجبت طبيعة الملف كمظهر لصراع جيوسياسي، وتركز على الاتجاه الى تنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو ما لم يتأت انجازه حتى الآن. كان المنطلق لهذا السيل من التوصيات هو مصادقة الجمعية العامة على توصيتين مختلفتين بشأن نفس النازلة وفي نفس الجلسة، اذ أدت مواجهات اجرائية جد عنيفة، الى تصويت الجمعية العامة على التوصية «34/58» ألف المعروفة بالتوصية الجزائرية، و التوصية «34/58» باء المعروفة بالتوصية المغربية، وذلك بتاريخ 10 ديسمبر .1975 وفي التوصيتين احالة على ما سبق من توصيات تتعلق بموضوع الصحراء حينما كان الملف المطروح على المنظمة العالمية في نطاق نزاع على السيادة بين المغرب واسبانيا.

وقبل ذلك بشهور، كان الجهاز القضائي للمنظمة، وهو محكمة العدل الدولية، قد أقر بأن بين المملكة المغربية وقبائل من الصحراء علاقات بيعة، أي علاقات سيادة. وقبل أن تصدر المحكمة المذكورة الرأي الاستشاري الذي طلب منها، كانت قد أصدرت حكما عارضا فصلت فيه في اشكالية قانونية تتعلق بما اذا كان هناك نزاع ترابي على السيادة بين كل من اسبانيا والمغرب وموريتانيا. وكانت المحكمة قد صرحت بأنه يوجد نزاع بين المغرب واسبانيا ولكن لا يوجد مثل ذلك النزاع بين اسبانيا وموريتانيا. أي أن جوهر الموضوع كان دائما هو سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. وأن الأمم المتحدة لم تعرف المغرب منذ طرح الملف عام 1964 الا كمطالب بالسيادة، وقد اعترفت له الأمم المتحدة بهذا الحق، في نص سياسي هو توصية صادرة عن الجمعية العامة فطالبت اسبانيا «بأن تدخل في مفاوضات على ما تطرحه مسألة السيادة»، ومرة ثانية اعترفت له بحكم قضائي بأن بينه وبين اسبانيا نزاعا قانونيا على السيادة. ثم ان صيغة السؤال المتفق على توجيهها للمشاركين في الاستفتاء تنص بالأسبقية على الاندماج في المغرب أولاً، ثم فرضية الاستقلال. وعليه فان الأمم المتحدة لم تخرج عن نظرتها الى المسألة طيلة كل المراحل التي عالجت فيها ملف الصحراء، أولاً كنزاع مغربي ـ اسباني في اطار تصفية الاستعمار، ثم حتى وان أُثقل بالتعقيدات التي حجبت طبيعته الحقيقية.