باول بين المهمة الضائعة والقرار المفقود

TT

الصراع بين وزارتي الدفاع والخارجية في الولايات المتحدة تقليدي ومعروف، لكن في ادارة الرئيس جورج بوش صار هذا الصراع يترك انعكاساته السلبية على تصريحات وزير الخارجية كولن باول، فتأتي غير متماسكة... واحيانا كثيرة متناقضة.

لقد جاء قرار توجه باول الى الشرق الاوسط في جولته الاخيرة بعد مواجهات شرسة داخل الادارة، لأن فريقي نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد من الموالين المتطرفين لاسرائيل وبالتالي عارضا بشدة سفر باول، من جهة كي لا تظهر ادارة بوش وكأنها تسير على الخطى نفسها التي سارت عليها ادارة بيل كلينتون وتغوص بالتالي في «مستنقع» الصراع العربي ـ الاسرائيلي، ومن جهة اخرى ـ وهي الرغبة الضمنية الحقيقية ـ لأن ارييل شارون لا يريد شهوداً اميركيين على الارض يتأكدون من ان نسبة العنف، التي يطبّل ويزمر لها ويرتكز عليها، قد تقلصت كثيرا. واذا كان طرح فريق الخارجية الاميركية انتصر على اساس انه لا بد من دور اميركي نشط، من دون تحديد هذا الدور، فان هذا الانتصار لم يُحسم كموقف حيادي. ويبدو ان كولن باول، الذي يتذكر دائماً احتمال ان يكون اول اميركي اسود يتبوأ منصب الرئاسة الاميركية، يتجاذبه امران، الأول: ان يلتزم بما قاله رئيسه وردده، وهو ان نسبة الهدوء المتوفر منذ ان نجح جورج تنيت، رئيس المخابرات المركزية الاميركية في التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار، صارت كافية للبدء بمرحلة التهدئة التي نصت عليها خطة ميتشل. والثاني: ان يحسب خطواته وقد رأى تهافت اللوبي اليهودي في اميركا على تلقف كل كلمة تلفظ بها شارون، وهو يعرف الثقل الذي يمثله هذا اللوبي في اية انتخابات اميركية.

قبل وصول شارون الى واشنطن اعلن باول في نيويورك انه آت الى المنطقة وهو متلهف لتطبيق خطة ميتشل، ثم بعد لقائه مع الرئيس المصري حسني مبارك خيّب باول الآمال بدور اميركي غير منحاز كلياً لاسرائيل عندما قال: في النهاية إن شارون هو الذي سيقرر ما اذا كانت نسبة العنف مناسبة للتحرك باتجاه تطبيق خطة ميتشل.

لم يطلب باول من اسرائيل ان تبدأ برفع الحصار عن المناطق الفلسطينية، على الاقل بانتظار ان يقرر شارون ان الوضع صار مقبولاً، هذا اذا قرر.

اتخاذ القرار ليس من صفات باول، وهذا معروف عنه منذ تعامله كرئيس للأركان مع غزو العراق للكويت، وبدا التخبط واضحا عندما قال اثر لقائه مع وزير الخارجية الاسرائيلي شيمون بيريز: «ان على اسرائيل والفلسطينيين ان يتحركوا بسرعة نحو مفاوضات الوضع النهائي»! وربما يكون استدرك «فظاعة» كلمة «الوضع النهائي» و«بشاعة» وقعها على أذن شارون، اذ اضاف انه من المهم «ان نكون واقعيين وعمليين بالنسبة الى ما يمكن تحقيقه في فترات زمنية معينة».

وكي يزيد من حيرة باول اعلن شارون ان هدفه الملح ليس السلام بل التوصل الى انهاء حالة الحرب لأنه «يعتقد» ان الدول العربية لم تقبل بعد بوجود اسرائيل، كذلك يريد ان يختبر اتفاق انهاء حالة الحرب انطلاقاً من ثلاثة معايير: الحرب ضد الارهاب، منع التحريض ووضع ثقافة باتجاه السلام، والتعاون الاقتصادي. واذا حصل تقدم في هذه الامور عندها يمكن ان يتحرك نحو مراحل اخرى! ليت كولن باول يخفف من المزايدات الدبلوماسية ويستعيد بعض الانضباط العسكري في المواقف.