ذرة للسيارات!

TT

فكرة محاصيل الوقود، أي بعض المزروعات التي يستخرج منها الوقود كبديل عن النفط، ليست جديدة، فالبرازيل التي تفتقد الى موارد النفط الخام تطبقها منذ فترة ليست بالقصيرة في انتاج الايثانول، لكن الجديد هو الانتشار الذي حدث في العام الاخير والتوسع في إنتاج محاصيل الوقود في عدة بلدان والترويج له كبديل اكثر حفاظا على البيئة من منتجات النفط المستخرج من باطن الارض.

وحسب تقرير صادر هذا الشهر عن الامم المتحدة فإن هذا الاتجاه نحو محاصيل الوقود تقوده حاليا الولايات المتحدة والبرازيل واوروبا والصين، فخلال العام الماضي ذهبت نسبة 48% من محصول الذرة الأميركي الى إنتاج الايثانول من اجل الوقود، بينما زرعت البرازيل والصين حوالي 20 مليون هكتار من الارض بمحاصيل الوقود، وتتوقع الأمم المتحدة ان تتضاعف مساحة الاراضي الزراعية المخصصة لمحاصيل الوقود التي تشمل ايضا البطاطس وقصب السكر ومنتجات اخرى من الان وحتى العام 2016.

ويمكن فهم هذا الاتجاه نحو التوسع في بدائل للنفط مع ارتفاع اسعاره وازدياد الوعي العالمي بالبيئة وظاهرة الاحتباس الحراري وما قد ينجم عنها، لكن هذا الاتجاه المتوسع بشدة نحو محاصيل الوقود يفتح الباب أمام منافسة ضارية بين معدة الإنسان وخزان السيارة.

وتخصيص المزيد من الاراضي الزراعية لمحاصيل الوقود، او تحويل انتاجها الى الايثانول، وهي أصلا مساحتها محدودة والموارد المائية لزراعتها نادرة من الاساس، سيجعل تأمين الغذاء للعالم خاصة الدول النامية والفقيرة منه مسألة اكثر صعوبة وهي أصلا تعاني حتى قبل هذه الظاهرة من مشاكل في تأمين إمدادات غذائية كافية وبأسعار في متناول سكانها، والكثير من الدول خاصة في الدول العربية تلجأ الى دعم أسعار سلع غذائية رئيسية مثل القمح من أجل إبقاء أسعاره رخيصة للمستهلك.

وحسب منظمة الاغذية والزراعة الدولية (الفاو) فإن محاصيل الوقود احد العوامل في ظاهرة الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية التي شهدها العالم في فترة الـ 12 شهرا الاخيرا والتي وصلت الى حدود 40% بينما وصلت الزيادة في سعر سلعة رئيسية مثل القمح الى حدود 60% بما جعل فاتورة وارداته ترتفع بمليارات الدولارات مرة واحدة لدول نامية من بينها دول عربية تعد من اكبر المستوردين في العالم.

وقد كانت ظاهرة محاصيل الوقود أحد الموضوعات الرئيسية التي اثير حولها نقاش في قمة «اوبك» التي عقدت اخيرا في الرياض مع دعوات للاستثمار في تكنولوجيات تخفض الانبعاثات الضارة من منتجات الطاقة التقليدية بدلا من استخدام الاراضي الزراعية الشحيحة في انتاج الوقود بدلا من الغذاء.

وليست محاصيل الوقود وحدها هي المتسببة في ارتفاع أسعار السلع الزراعية والغذائية، فهناك عوامل اخرى مثل الجفاف الذي ضرب منتجين رئيسيين بينما يتوقع ان يؤدي تحسن مستويات المعيشة في دول تنمو اقتصاديا بشكل سريع مثل الصين والهند الى زيادات هائلة في الطلب تضع ضغطا على الاسعار.

كل هذا يجب أن يعيد طرح مسألة الانتاج الزراعي والأمن الغذائي في الدول العربية على الطاولة من جديد، بعدما تلاشت تقريبا في العقد الأخير مع الأسعار الرخيصة للواردات، فالمستقبل قد يحمل منافسة شديدة على هذه السلع وفواتير استيراد مرتفعة، بينما لن تستطيع الميزانيات تحمل تقديم الدعم الى ما لا نهاية.