أفغانستان: المخدرات في مواجهة القوة

TT

قوة التدمير لا تحمل داخلها قوة التحكم. فقرن من الحكم الكولونيالي الفاشل وسوء المغامرة الأميركية في فيتنام أكدت ذلك الدرس حول الوعي العالمي لفترة معينة. وقد أخذت المشاكل الهائلة التي تواجهها البلدان المرفهة ذات الأسلحة النووية في الخرائب البائسة لأفغانستان والعراق لتنقلها الى الوطن من جديد.

سموها مفارقة القوة الساحقة ولكن غير الكافية. انها تظهر على السطح في الصراع في أفغانستان حول حكمة اجتثاث حقول الأفيون الواسعة في ذلك البلد بطريقة كيمياوية. فهي مصدر المعيشة لكثير من الفقراء الأفغان، وفيض من الهروين المتجه الى الأسواق الغربية، وتمويل لطالبان وقوى ارهابية أخرى.

ودفع ويليام وود، السفير الأميركي لدى كابل، الأمور باتجاه عملية الرش الجوي لتدمير حقول الأفيون. وأرسل الرئيس بوش السفير وود الى افغانستان بعد أن اشرف على عملية اجتثاث جوي واسعة في كولومبيا ادت الى نتائج مختلطة.

وقد قسمت أولويات وود صناع السياسة في الولايات المتحدة وأفغانستان. وتخشى حكومة الرئيس حميد كرزاي من تدمير البيئة والنتائج السياسية التي يمكن ان يؤدي اليها برنامج الرش الجوي على الفقراء الذين يحاول كرزاي إبعادهم عن طالبان. وفي الوقت الحالي يتحكم كرزاي بمكتب المخدرات التابع لوزارة الخارجية في هذا الصراع المستمر.

والجدل الذي يدور حول طبيعة ومدى حملة مكافحة المخدرات في أفغانستان لابد ان يكون في الواقع جزءا من الاختلافات الأساسية حول الاستراتيجية داخل الناتو. ويخشى الكثير من مسؤولي الحلف من أن معالجة يصفونها بـ«معنا أو ضدنا» والتي يبدو انها مؤكدة لقوة السلاح على التسوية السياسية تبرهن على انها غير عملية.

وقد سمعت أول مرة الصخب المرتبط بهذا الجدل المحتدم في أكتوبر الماضي بلندن. وقد جرت تسويته الآن على الأقل بقدر تعلق الأمر بالبريطانيين. وفي حديثه امام البرلمان يوم 12 ديسمبر الحالي اقر رئيس الوزراء غوردن براون حملة كرزاي على دفع عناصر طالبان من المستوى القيادي المتوسط لإلقاء أسلحتهم والسعي الى المصالحة. كما أوضح براون برنامج تنمية واسع يهدف الى اصلاح الأوضاع في الأرياف التي يزرع فيها الأفيون.

وخلقت تكتيكات وزارة الخارجية انقسامات حتى بين المسؤولين في إدارة بوش. ومثل البريطانيين فإن البنتاغون كان حذرا من تدمير المحاصيل في مناطق لا تمتلك الحكومة فيها سيطرة قوية ولا بديل هناك لكسب العيش سوى الأفيون.

وقال وزير الدفاع روبرت غيتس لمجموعة من المسؤولين في وزارة الخارجية قبل أسابيع قليلة: «بث الرذاذ من الجو هو ليس استراتيجية طويلة المدى».

وتشمل استراتيجية بعيدة المدى إقناع المزارعين الأفغان بأنهم قادرون على الحصول على بدائل عن زراعة الحشيش، حسبما قال غيتس. فبالنسبة له يجب أن يكون التركيز المباشر هو منع تفشي الفساد الناجم عن استخدام اموال بيع الحشيش من التغلغل أكثر في الحكومة الافغانية، لمنع تحول افغانستان إلى دولة مخدرات تتمكن من تمويل الإرهاب.

ولم يقلل رش نباتات الأفيون في كولومبيا من تدفق المخدرات من كولومبيا. وأثنى غيتس ومسؤولون أميركيون آخرون على الرئيس الكولومبي نيفارو ترايب لاقتلاع الفساد من الحكومة. بشكل ما يمكن لكولومبيا أن تكون نموذجا لأفغانستان.

سيتمكن الغرب من حل المشاكل التي ولدتها تجارة المخدرات الدولية حينما تبدأ الولايات المتحدة وأوروبا بتطبيق العدالة لا استخدام مبدأ الانتقام كأساس لقوانين مكافحة المخدرات. بل انه حتى تطبيق برنامج ناجح في أفغانستان لتدمير المخدرات لن يكون سوى لفافة طبية فوق جرح واسع، بينما الأذى سيلحق بحكومة كرزاي.

لكن أفغانستان هي حالة طارئة تتطلب المعالجة السريعة وهذا يتطلب معالجة أزمة تطالب بجذب الاهتمام والالتزام لكل المرشحين في المكتب الوطني.

وهذا هو الشيء نفسه مع ندرة الدعم لتوفير المال من أجل منع وتأهيل أكثر منه سجن المستخدمين البسطاء للمخدرات. يمكن للأمة الأميركية أن تمنح نفسها هدية أفضل في هذا الموسم بإعادة النظر في حربها ضد المخدرات وفي مراجعة الكثير من الجوانب المتعلقة بحربها ضد الإرهاب.

* خدمة «كتاب واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»