أحب (الوشوشة)

TT

ما هو شعورك يا عزيزي القارئ حينما تكون جالساً في غرفة واحدة مع اثنين، وانتم ثلاثة أشخاص فقط، لا رابع معكم، ثم يأخذ هذان الاثنان يتهامسان ويتوشوشان ويضحكان بين بعضهما البعض، وكأنهما لا يريدانك أن تسمع، أو أن هناك (سرا) بينهما لا يريدانك أن تطّلع عليه؟!

لا شك أن ذلك سوف يحز في نفسك كثيراً، وتشعر انه ليس مرغوباً فيك، ولا موثوقاً بك، أو انك ببساطة مجرد كمالة عدد، أو (شرابة خرج).

هذه المقدمة أجبرت عليها بسبب (الغليان) الذي يعتمل في صدري، حيث إنني في الليلة البارحة مررت بهذه التجربة السخيفة، مع اثنين تمنيت من أعماق قلبي لو أنني هرستهما بأسناني، وذلك عندما ضربا بوجودي معهما في نفس المكان عرض الحائط، من دون أدنى مجاملة أو اعتبار، فقد وضع كل واحد منهما رأسه برأس الآخر، وهات يا وشوشة، وهات يا ضحك، وهات يا إشارات، بعضها كان موجها ناحيتي، وقد حاولت بشتى الوسائل السمعية، وبكل ما أعطاني الله من قراءة حركات الشفايف والأصابع أن افهم كلمة واحدة مما يتكلمان فيه من دون أية جدوى.

ولا يقل عن هذين الشخصين (بالتفاهة) أكثر من ذلك الشخص الذي تحادثه وتسترسل في كلامك معه وتشرح له وجهة نظرك بحماسة، في الوقت الذي يوزع فيه هو نظراته الغائمة بين وجهك وسقف الغرفة أو النافذة المفتوحة، وفي نفس الوقت هو ينقر بأصابعه على الطاولة، ويدمدم بأصوات مكتومة، وكأنه يردد أغنية بينه وبين نفسه، وإذا توقفت عن الكلام بعد هذا المجهود وسألته سؤالاً اعتراضياً لتفهم وجهة نظره يتفاجأ هو من سؤالك وكأنك قد أيقظته من أحلامه، فهو في الواقع «كان في واد وأنت في واد آخر»، وكل ما يفعله هو أن يطلب منك بكل بساطة إعادة الكلام.

والغريب انه ثبت علمياً وإحصائياً أن معظمنا يتكلم بمعدل 120 إلى 180 كلمة في الدقيقة، ويفكر بمعدل أربعة أو خمسة أضعاف ذلك، ومعنى هذا أن انتباهنا يتوه بنا في أكثر الأحيان فلا نستوعب من حديث الشخص الآخر ولا نصفه.

وقال لي احدهم انه مقتنع بهذه الحقيقة، وقد قام في احد الأيام بتجربة على ضيوفه من دون أن يعلموا انه وضعهم حقل تجارب، ويقول: لقد درت عليهم بطبق ممتلئ بالشوكولاته والحلوى، وقلت لهم جربوها لقد ملأتها بالزرنيخ، والغريب انه لم يتردد احدهم في تناولها، بل شكرني أكثرهم قائلين: إنها لذيذة.

لا مانع عندي من أن (يوشوشني) احد حتى لو لم افهم، و(أوشوشه) حتى لو لم هو يفهم، المهم أنني أنا الذي اختار ذلك الأحد.

[email protected]