الباصات لها آذان.. وليس لها حقوق

TT

مطالبة الدكتور زاهي حواس، مدير مصلحة الآثار المصرية، المسؤول عن اغنى واهم كنوز الفنون والحضارة التي عرفتها البشرية، بإصدار قانون بتسجيل آثار مصر الكبرى كملكية فنية وفكرية Copyrights © للامة المصرية تحرم على فنادق او كازينوهات بناء نسخ تقليد منها، من دون اذن ودفع ترخيص سنوي للخزينة المصرية، اقتراح يصفق له كل مبدع.

مجلة الاتحاد القومي للصحفيين نشرت هذا الشهر شكوى من صحفي مستقلfreelance (اي غير موظف) كان تناقش بصوت عال مع زميله في تفاصيل فكرة برنامج يريد عرضه على ادارة البرامج في اذاعات مختلفة، اثناء ركوبه باصC2 الذي يستقله كثير من موظفي الاذاعة لمروره امام البي بي سي.

وبينما انتظر الصحفي الدورة البيروقراطية في اكثر من محطة لتحديد موعد لقاء، فوجئ بالفكرة نفسها، التي انفق المال والجهد والوقت لإعدادها، تتحول لبرنامج مبث بصوت مذيعة موظفة في المحطة.

ورغم تأييد النقابة، فسيصعب على صاحبها اثبات سرقة المذيعة لملكيته الفكرية في «باص له آذان»، فستقسم ان عينيها لم تقعا على الفكرة في ورقة بعلامة © حق الملكية الفكرية.

وكم تعرضت شخصيا لسرقة ملكيتي الفكرية «بوقاحة» لا مثيل لها، ومن هيئات محترمة، سواء كانت برامج تدريب الصحفيين او برامج تلفزيونية.

برامج التلفزيونات العربية عامة، تقليد اعمى لبرامج تلفزيونات غربية

(وأحيانا لا تغير الاسم). ولذا البرامج التي اعددتها في الفضائيات العربية كانت كلها ابداعا مبتكرا لمزاج المتفرج العربي وليست تقليدا.

كنت صممت برنامجا يتناول حياة المشاهير من منظور ثقافي اجتماعي، وأمام خلفية من احداث تاريخية سياسية تهم متفرجي فضائية شهيرة لها ريادة الفضائيات العربية.

بحثت أدق تفاصيل البرنامج مع المذيعة المرشحة ومع المدير البريطاني المسؤول عن البرامج وقتها، فأعجب الاخير بها وطلب ميزانية الانتاج.

ولأنني لست موظفا اتقاضى مرتبا من هيئة تدفع مصاريفي، بل ادفع فواتير مكتبي ومرتبات السكرتيرة والباحثين من جيبي، فطبيعيا شملت الميزانية اثمان المواد المستخدمة، بما فيها ثمن بريد المراسلات والمواصلات والأجور بأدنى ما يمكن لإقناع المدير.

طلبت المذيعة الحسناء لقائي عاجلا قبل تقديم الميزانية؛ لتقول بلهجتها اللبنانية الجذابة: شو استاذ، مبتنس تحسب خاطري بالميزانية!... بتعرف انه لولاي ما كان المستر.... (المدير البريطاني) بيأتنع بالبرنامج؟ دير بالك عشان مبنعمل كويس سوا».

نصحني المحاسب، الذي يقدم دفاتري سنويا لمصلحة الضرائب، بضرورة الالتزام بلوائح المصلحة بإدراج «عمولة» المذيعة الحسناء في الميزانية تحت بند «استشارة فنية».

ورغم تخفيض أجري للحد الادنى، فان الرقم الذي يليق بمقام «الاستشارة الفنية»، ادى لزيادة ميزانية انتاج البرنامج عما توقعه المدير، فاعتذر ونصح بتقديم المشروع لفضائية اخرى.

وبعد فترة زمنية, ومن دون استئذاني في ملكيتي الفكرية، فوجئت بالمذيعة اياها تقدم البرنامج نفسه (طبعا بصورة اقل حرفية وبمستوى دون ما تعوده المشاهد من انتاجي وإعدادي)، وحتى عجز خيالها عن ابتكار اسم جديد ولو ذرا للرماد في العيون، فأخذت نصف الاسم ـ اي الكلمة الاولى ـ عنوانا للبرنامج وادعت انه «برنامجها» من دون حياء او اشارة الى صاحب الفكرة ومصمم تركيبة البرنامج، وهو كاتبكم المسكين.

مثال آخر كنت صممت وأعددت «عالم الصحافة» وهو افضل برنامج يومي (بشهادة النقاد) كنقد تحليلي انتقائي للصحافة العالمية، تميز بالسخرية الى جانب اضفاء المعلومة،لاحدى الفضائيات العربية، فور انطلاقها ، واعتبر flag-ship اي سفينة القيادة في اسطول المحطة لستة اعوام ونصف العام حتى اوقفه المدير الامريكي للمحطة بعد خلاف، لأنني رفضت ان يدس انفه في ما لا يفقه فيه.

وفوجئت بفضائية مثيرة للجدل، يعشقها القومجيون، تقدم، من دون استئذان او اشارة الى ملكيتي الفكرية، نسخة (فوتوكوبي) من برنامجي

(الفارق خفة دم السيناريو والتنوع في «عالم الصحافة»، مقارنة بثقل الظل والملل المصاحب للبرنامج التقليد غير المتقن).

وبالتناقض تلقيت عام 1992 رسالة من معلمة في مدرسة للكنيسة الكاثوليكية في شمال انجلترا، قرأت احد كتبي وكان فيه صورة التقطتها بنفسي للزعيم العراقي الراحل صدام حسين في مخبأ عسكري عام 1985 عندما حاصر الايرانيون الموقع فوجه الضباط الصحفيين الزائرين للهرب من النيران الايرانية الكثيفة الى ملجأ تصادف وجود الرئيس العراقي فيه لتوجيه المعركة.

كانت المعلمة تدرب تلامذتها على اسلوب البحث العلمي ومراعاة حقوق copyrights الملكية الفكرية، وشمل التدريب ارسال خطاب يطلب نسخة من الصورة الاصلية، وتستأذنني في طبع 20 نسخة للفصل لتصور الخلفية التاريخية للصورة. واستفسرت المعلمة عن ثمن «اقراضي» النسخة.

لم اتقاض أجرا طبعا من المربية الفاضلة، بل اشتريت نسختين بثمن مخفض من الناشر (عقود النشر تمنح المؤلف نسختين مجانيتين فقط وقت صدور الكتاب ويمكنه شراء عدد محدود من النسخ بتخفيض 40%) وأهديتهما لمكتبة المدرسة. وتلقيت خطاب تقدير مع النسخة الاصلية المعادة، وما زلت اتلقى بطاقات تهاني من ناظرة المدرسة في عيد ميلادي والكريسماس.

احيانا ما تصلني شيكات بمبالغ ضئيلة من صحف في مدن وقرى لم اسمع بها من قبل في امريكا وكندا، مقابل اعادة نشرهم ما يزيد عن 150 كلمة من مقالات نشرتها (يمكن نشر أقل من 150 كلمة من دون اذن مسبق شرط نشر اسم المؤلف والمصدر)؛ ورغم انه لا سبيل لي اصلا لمعرفة وجود هذه الصحف الا انها امانة الصحفي المحترف.

احيانا اتلقى، من اصدقاء عرب، قصاصات صحف لبنانية وخليجية تنشر ما ترجم للعربية من كتبي، من دون اذن مني او من دور النشر

(مع كارثة تدخل الرقيب لتغيير احداث موثقة تاريخيا)؛ كما يباع بعضها على الارصفة من ترجمة من لا اعرف عنهم شيئا.

الاستثناء الوحيد كان نشر صحيفة «المسلمون»، باتفاق وأجر مدفوع، في مطلع الثمانينات، عندما ترأس تحريرها الزميل صلاح قبضايا، بعض فصول كتابي «وراء الحجاب الديبلوماسي» عن دور المخابرات البريطانية مع جماعة الاخوان المسلمين، من الوثائق البريطانية.

المؤلف يقع عليه الضرر الادبي في سرقة الكتب، أما الخسارة المادية فلدور النشر لان حقوق التوزيع العالمي والنشر بلغات اجنبية (اي غير الانجليزية) تنتقل من المؤلف الى دار النشر، فور توقيع العقد وتلقي الشيك المقدم Advance (عادة ثلث اجر تأليف الكتاب).

وفشلت هذه الدور، حتى الان، في تحديد طرف يمكن مقاضاته، او محام يتولى القضية محليا، لغياب تنظيم اتفاقيات الملكية الفكرية عن قوانين معظم البلدان العربية.

لهذا تحولت بيروت (والآن تبعتها دبي والقاهرة) الى مركز عالمي للسرقات الادبية والفكرية بترجمة الكتب ونشرها، من دون اذن قانوني؛ «واللي موش عاجبه البحر الابيض، يشرب من البحر الاحمر او الاسود»، حسب القول الشهير للكولونيل جمال عبد الناصر.