معطف أحمر مثل الغلاف

TT

في السياسة لا تكتب الرسائل دائما بالأحرف. بعض الدول تبعث برسالة الى جارتها عن طريق حشد القوى العسكرية. أو إغلاق الحدود. أو استدعاء السفير. وتتطلب قراءة الرسائل المهارة نفسها التي تبذل في كتابتها. وبعضها فظ ومباشر وبعضها ذكي وضمني. وقبل ان يخرج ريتشارد نيكسون من الطائرة المقلة الى بكين خلال الزيارة الشهيرة عام 1972، طلب من مرافقيه ان يروا ما اذا كان رئيس الوزراء الصيني، شو إن لاي، يرتدي معطفه أم لا. فقد فكر نيكسون انه اذا نزل من الطائرة في هذا البرد، من دون معطف، سوف يبدو ذلك تحديا للزعيم الصيني الآتي لاستقباله. وعندما قيل له إن شو ان لاي متدثر خرج بمعطفه الرمادي. ووقف عند باب الطائرة. هذه لحظة تاريخية يريدها لنفسه فقط. ويريد ان يرى الشعب الأميركي هذه الصورة من دون أي شخص آخر. ليس فقط هنري كيسنجر المرافق، بل حتى الأميركية الأولى «باث» التي كان عليها الانتظار قليلا.

«باث» نيكسون كانت تحمل جزءا من الرسالة الى الصينيين ايضا. لقد ارتدت معطفا احمر قانيا بلون غلاف «الكتاب الأحمر» للرفيق ماو. وقد تحدث بذلك خبراء البيت الأبيض في الشؤون الصينية. فقد حذرها هؤلاء من ان المومسات في الصين وحدهن يرتدين اللون الأحمر. لكن معلومات الخبراء كانت قديمة، وتعود الى ما قبل الثورة.

الرسالة الأخرى في الرحلة جاءت من الصينيين. ففي بلد المليار نسمة لم يخرج سوى القلائل لاستقبال أول رئيس أميركي يطأ أرض «المدينة المحرمة». لن يمنحه ماو أكثر من استقبال محدود جدا، فاتر ومهذب. وقبل عام فقط كان قد جاء الى هنا هيلا سيلاسي، امبراطور الحبشة، ورمز الأنظمة التي يعمل الشيوعيون على سقوطها. وقد نجح السوفيات فعلا في قتل الامبراطور فيما بعد. وقتلوا معه مليون انسان على الأقل، لكن فلنعد الى الصين. لقد بعثت بكين ربع مليون انسان، يرتدون زي ماو الأزرق، ويرفعون الأعلام، ويصفقون بحماس، لاستقبال الامبراطور. اقصد الاعلام الصينية والاثيوبية معا. وقد اصطف الأطفال والعمال والراقصات في المطار، ثم على طول الطريق الى المدينة، وهم يقرعون الطبول ويلوحون بـ«الكتاب الأحمر» ويرفعون رايات التمجيد «للصداقة الصينية ـ الاثيوبية الخالدة». وعندما وصل الامبراطور الى ساحة «السلام الدائم» وجد أمامه آلاف الصغار يكتبون اسمه بورود حملوها، وباللغتين، الانجليزية والصينية. بعد عام اتجه موكب نيكسون الى المدينة في بضع سيارات وباصات تنقل الصحافيين المرافقين، وقد اسدلت ستائرها لكي لا يتأمل الضيوف طويلا في الحقول الفقيرة على الجانبين. كان نيكسون يحلم بأن يرسل صورة مثيرة الى الأميركيين، واما الصينيون فأرادوا ان يبلغوهم ان الأبواب فتحت، لكن المسافة طويلة.