حكم الجهالة

TT

الأخبار من جنوب أفريقيا لا تبشر بالخير لعموم القارة، هذا ما قاله الخبراء، وأصدق رأيهم. لقد صوت حزب المؤتمر للزعيم زوما ضد الرئيس الحالي تابو مبيكي. الأول رجل لم يتلق أيَّ دراسة وثقافته محدودة تماماً. سيق قبل أشهر للمحاكم بتهمة اغتصاب امرأة، وهو يواجه الآن أمام القضاء تهمة الارتشاء بملايين الدولارات. مبيكي خريج جامعة سسكس بانجلترا، ويعتبر من كبار الاقتصاديين ويعود له الفضل في الحفاظ على وحدة البلاد وشعبها المتنوع الأجناس. ومع ذلك، صوت أعضاء الحزب ضده وأيدوا زوما لا لشيء إلا لشعبيته وشخصيته الكارزمائية، انه الآن الرئيس المقبل لجنوب أفريقيا.

ما جرى هناك يعكس في الواقع مشكلة الديمقراطية في كل مكان، بما فيها عالمُنا العربي. نظر الفلاسفة منذ أيام سقراط وأفلاطون إلى الديمقراطية نظرة شك واعتبروها غالبا بأنها حكم الغوغاء والجهلاء. الأغلبية الساحقة في كل الشعوب تعجز عن فهم دقائق الدولة وحكمها ومستقبلها. ألم يصوت الألمان لهتلر وأوقعوا العالم في مصيبة الحرب العالمية؟ وها نحن رأينا كيف أن الانتخابات الأخيرة في سلطنة عمان لم تسفر عن فوز امرأة واحدة (كانت هناك نائبتان في المجلس السابق) رغم أن الإناث يشكلن نحو نصف حملة شهادات البكالوريوس وأكثر من نصف طلبة المعاهد العليا في السلطنة. ورأينا الأصوليين في العراق، البلد المتحرر، يحظون بالأغلبية الساحقة من الأصوات. كثيرا ما تتوقف أصوات الناخبين في كل مكان على اعتبارات عاطفية أو دينية في الدول المتخلفة وعلى كارزمائية الزعماء وأموال أحزابهم في الدول المتطورة.

هذا الوضع غير الصحي يهدد مسيرة الديمقراطية بصورة خاصة في العالم الثالث. ففي سعيه للتطور والتنمية، يحتاج لمن يأخذ بيده من الخبراء والعلماء والتكنوقراط. ولكن قلما يتمتع مثل هذا الفريق من العارفين والحكماء بالجاذبية الكارزمائية والشعبية الغوغائية والديماجوجية. وبالتالي، فإنهم قلما يوفقون في نيل أصوات الناخبين السذج والجهلة. وهكذا ارتبط تطبيق الديمقراطية في العالم الثالث بالفشل والفساد والمحسوبية والمغامرات وكل ما نعرفه من سوء الحكم.

ما هو الحل لأزمة الديمقراطية، إذا حرصنا على نجاحها وحمايتها من التهافت والعقم والمشاكل؟ أعتقد وأكرر ما قلته في سائر المناسبات، أن من الضروري لإنجاح الديمقراطية حصر حق الترشيح والتصويت بالمتعلمين، مثلا حملة الشهادات الابتدائية أو المتوسطة. لا أدري كيف نعتمد في تخطيط مستقبل البلاد وإدارة دفة الحكم على رأي قوم أميين لا يستطيعون حتى قراءة قسيمة الاقتراع.

هذا رأي يتطلب من المسؤولين الكثير من الشجاعة وتحدي الغرب. الغربيون لا يعانون من مشكلة الأمية. وكل الناخبين عندهم تجاوزوا مرحلة الدراسة المتوسطة أو الثانوية. وفي كل بيوتهم يوجد الراديو والتلفزيون، وربما صحيفة يومية. بالتالي يفترض فيهم أن يكون لهم بعض الإلمام بشؤون بلدهم وعالمهم ورجالهم. ليس لدينا هذا الوضع في عالمنا المتخلف الذي ما زالت الأمية تسود فيه.