ما أكثر «قرابين» التغيير في العالم الإسلامي

TT

الحقيقة التي يجب الاعتراف والجهر بها، أن النضال السياسي المؤمن بالإصلاح والديمقراطية وحتمية التغيير في العالم العربي والإسلامي، قد أصبح مرادفا للخطر. بل ان السيناريو المتوقع لصاحب هذا النوع من النضال هو الموت اغتيالا على مسمع ومرأى من العالم ليكون وأمثاله عبرة لمن يعتبر.

بلا شك حالة مخيفة ومفجعة جدا، تلك التي وصلنا إليها. حالة لم ينجح في التخفيف من قتامتها لا المجهودات الأمنية الجبارة ولا الاستعانة بأحدث أجهزة الرصد والتنصت وحفظ الأمن، بدليل حصول الاختراق بشكل متكرر ونجاح المتطرفين ـ بأشكالهم المختلفة ـ في حصد الرؤوس المستهدفة سواء كان ذلك محاولة قتل أولى أو ثانية، وهو ما وقع لزعيمة حزب الشعب الباكستاني بي نظير بوتو. امرأة تمتلك كافة أمارات التوهج السياسي، نجحت في إحباط محاولة قتلها في أكتوبر الماضي، وأخفقت في المحاولة الانتحارية الأخيرة ضدها.

كثيرون علقوا على النهاية المأساوية لبوتو بأن المغدور بها سارعت في نهايتها بعودتها الى باكستان، كأرض سياسية تختزن في جوفها أكثر من قنبلة موقوتة. بمعنى آخر أن بوتو لم تدرس جيدا المخاطر المحدقة بعودتها للعمل السياسي في السياق الراهن المعقد والمنتج والمستهلك للإرهاب، خصوصا أن توجهاتها الليبرالية وتبنيها مقولات التغيير والتحديث، وهي المرأة التي تتمتع بجاذبية شعبية سياسية ودعم من قوى خارجية.. كل هذا يؤكد فرضية حتمية التخلص منها اغتيالا، قبل أن تعود الى سدة الحكم وتنطلق في تنفيذ برنامجها الذي لا يخدم مصالح المتطرفين والمتشددين. ولكن الأقرب الى المنطق هو أن بوتو التي هي سليلة أسرة سياسية بارزة، والتي اكتوت بألم إعدام والدها والتي شغلت منصب رئيسة للوزراء وعمرها 35 سنة، لا تعوزها التجربة والخبرة وحاسة الشم السياسية، لتقدير وتحديد كل السيناريوهات المتوقعة لها، بدليل قولها إنها ستناضل من أجل التحديث في باكستان، رغم ما في ذلك من خطورة وتهديدات على حياتها.

في الحقيقة، إن من مميزات كل طامح ومؤمن بالتغيير وبالنضال، كسبيل للتحديث ولإرساء تقاليد تنموية سياسية جديدة، هي الحماسة والإقدام وأيضا البطولة.. وهذه الصفات هي عند الخصم نقاط الضعف التي تحاك من خلالها وعلى نخبها الجريمة المرادة.

لذلك فإن السيناريو هو نفسه الذي يتكرر مع كل المدافعين عن التجديد والديمقراطية. وليس صحيحا أن هؤلاء المناضلين فريسة سهلة للمتطرفين دينيا أو سياسيا، بسبب تهورهم والإخفاق في حسن تقدير الأمور وتوابعها، فالخوف والحذر الشديد والكفاح في غرف مغلقة بعيدا عن نبض الشعب المراد إعادة تشكيله سياسيا وثقافيا وتنمويا.. كل هذا هو ضد النضال كفعل وكجوهر وكمقولات وكآليات. أي أن استحقاقات النضال تشترط اللاخوف والجرأة والتحلي بخصال الرمز والأنموذج.

لذلك فإن المطلوب ليس لوم المناضلين على حماستهم وتطوعهم لركوب الخطر بل الأجدى بنا مواجهة ذهنية الإقصاء والقتل كي لا يحمل كل صاحب توجه أو فكر مغاير كفنه بين يديه، قبل أن ينبس بأفكاره ويجلس على الكرسي الذي يمكنه من تجسيد تصوراته.

هذا ما يجب أن نقاومه بشتى الأدوات البناءة والمقاطعة لأساليب العنف. وهكذا فقط تتقلص مشاهد الاغتيالات السياسية في العالم الاسلامي. وهكذا فقط يقل عدد قرابين الديمقراطية والتغيير.. وربما هكذا يصبح من الممكن بالنسبة الى النقيض السياسي في المجتمعات الاسلامية، أن يناضل من دون أن يترك خلفه حسرة ولوعة وخوفا.

[email protected]