الدول المحبة «للكلام»

TT

اليوم هو بداية لسنة جديدة، ولكنه استمرار لملفات ساخنة وملتهبة لم تستطع الأيادي أن تمسك بها، وظلت الأطراف تتلقفها من دون تحكم. وباتت هذه الملفات يتم التعامل معها وبشكل أساسي على أساس «صوتي» بحت.

عام 2008 مرشح أن تبقى فيه القضايا مؤزمة وبلا حلول؛ فالسلام وقضاياه سيبقى أسير النيات الحسنة والشعارات البراقة، أما المشاركات الشعبية والمسيرة الديمقراطية فستظل محجوزة بين دفتي كتاب الممكن والممنوع، وملفات الإصلاح ومطالب الإنجازات المنتظرة فيه لم تر النور بعد، وكذلك الحرب على الإرهاب وعلى التطرف لا تزال الجولات والصولات الحاسمة فيها هي لصالح الجهاز الأمني فقط.

الملفات الصعبة تتحول إلى مشاكل وكوارث. دول الشعارات والأحزاب التي تعودت لسنوات على خط ثابت من الطرح الكلامي والحروب الكلامية والتخوين الكلامي، وتجند أذنابها للقيام بالمهمات القذرة، لا تزال لها حصة واضحة من المساحة الإعلامية الموجودة في العالم العربي، وبالتالي بطبيعة الحال تحتل مساحة خطيرة من المساحة الفكرية المؤثرة والصانعة «لمواقف» و«آراء» مختلفة وخطيرة.

خيط غير رفيع بين التنظير والطرح الكلامي وبين الأفعال وما ابتليت به المنطقة هنا، هو أنه لسنوات طويلة جدا كان الحكم على الدول والأشخاص هو ما الذي قاله وجماهيرية رسالته بغض النظر عن أن الأفعال على أرض الواقع تناقض ذلك تماما، وهناك مثل شامي عتيق يوضح المعني المقصود هنا، فهو يشبه ما يطرح على الساحة الكلامية بأنه «علك شراطيط بتوجع الحناك ولا بتعبي البطن»؛ والشراطيط هي المناشف القديمة، وقد يكون في هذا المثل مبالغة واضحة ولكنها من المؤكد تظهر المشكلة بشكل واضح وساخر.

إذا كانت هناك وسائل قياس للإنتاج والمداخيل والنمو الاقتصادي وغيرها، فيبدو أن العالم العربي مطلوب لمن يتابع أحداثه بأن يستحدث مؤشرا «للكلام» بحيث تتم مقارنة ما يروج كلاميا وما يتم تنفيذه على أرض الواقع!

سنة 2008 بدأت والفضاء سيمتلئ بذبذبات الكلام وموجاته، وستطير وعود السلام وبرامج الإصلاح والمشاركات الشعبية في الهواء. نعم هذا هو حال الدول المحبة للكلام! «ما تصبرنيش بوعود وكلام معسول وعهود» كان جزءا جميلا من أغنية رائعة لأم كلثوم يردده الذين ملوا من الطروحات الكلامية، ولكن يبقى عنوان الأغنية هو الرسالة الأخطر في ذلك الطرح كله لأنه دائما يبقى أولا وأخيرا للصبر حدود.