الإسلام.. بعيداً عن أهواء الغرب

TT

اتهمت إيان هيرسي علي، التشريعية السابقة بالبرلمان الهولندي ومؤلفة كتاب «الكافر»، في مقال أخير لها بـ«غلوبال فيو بوينت» من تسميهم (المعتدلين) المسلمين ببقائهم صامتين في مكان إدانة الأفعال التي ترتكب باسم الإسلام من قبل الأفراد أو الحكومات.

ولدهشتي، فقد أشارت لاسمي بين (المعتدلين المسلمين) الذين لم يدينوا ما حدث في بعض الدول العربية والإسلامية من اغتصاب أو محاكمة للمعلمة البريطانية بسبب سماحها لتلاميذها بإطلاق اسم النبي الكريم على دمية لدب، فيما، وعلى مدار الزمن، ظللت أدفع ثمنا باهظا لنقدي المنتظم لتلك الشاكلة من الأفعال لأواجه منع مؤلفاتي من دخول عدد من الدول العربية والإسلامية، بل وأميركا ذاتها لأسباب لم يتم تفسيرها لي.

ودعونا نبدأ هذه المداخلة باستشهادات هيرسي من القرآن الكريم، وإيرادها للنص المتعلق بالزنا وإقامة الحد على الزانية والزاني بالجلد مائة جلدة، وقول القرآن أن لا تأخذنا بهم رأفة في شأن موصوف من المولى إن كنا نؤمن به وباليوم الآخر. ونتساءل هنا: أي نوع من الرسائل تريد هيرسي أن ترسل من خلال الاستشهاد بنص يتعلق بالحدود؟ ونجيب أن الواضح أنها تريد القول إن الإسلام يدافع عن العنف، وأن المسلمين العنيفين، أو مَنْ تسميهم الحكومات الإسلامية، التي تعمل بصورة غير ديموقراطية، إنما يطبقون رسالة الإسلام.. ومن هنا وعبر نص مقالها تكون رسالتها واضحة.

ونتساءل هنا: أليس من الممكن الاستشهاد بعشرات النصوص من الغيتا والأناجيل والتوراة والرسائل المسيحية واليهودية لنقول إنها أديان عنيفة في المقابل؟ وهل من الصعب أن نفهم أن هذه قضية ترجمة للنصوص وأن ندين ديناً بهذه الطريقة لا يعدو كونه في جوهر الأمر، ليس ظلما فقط، وإنما نقد هدام وبصورة عميقة، فيما لا تساعد هذه الشاكلة من النقد الإصلاحات الداخلية الديناميكية.

وعلى العكس مما حاولت أن تقول هيرسي، فلا يوجد (مسلم معتدل)، بمن في ذلك أنا شخصيا، لم يتناول الأحداث الأخيرة بموضوعية، فقد كتبت إبان أزمة المعلمة البريطانية في السودان يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وتناولت الأمر في بعض الدول الإسلامية، وبدأت برفض أي نوع من (عقلية الضحية) في أوساط المسلمين، لأنه سيكون من السهل الزعم بأن وسائل الإعلام عادت مرة ثانية لتغطية القصص المدمرة عن المسلمين ومعظم الدول الإسلامية، وقلت إنه لم يعد كافيا بالنسبة للمسلمين إلقاء اللوم على هذه الحملات المستمرة ضد الإسلام وقرآنه ونبيه وقيمه وممارساته.

وكان هناك وقت أيضا، ومن قبل أن تكتب هيرسي مقالها الذي اتهمت فيه معتدلي المسلمين بالصمت، كتبت فيه أن علينا أن نشرع في نظرة فاحصة وشاقة للنظر في حال النظام القانوني في الدول ذات الأغلبية المسلمة، واستخلصت نتائج حاسمة و(بناءة). وببساطة، فالأمر بالنسبة لي مخجل، أن يتم الاتهام أو السجن، وفي بعض الأحيان الضرب لأناس فقراء ونساء باسم الإسلام بلا دليل أو برهان، وفوق ذلك ألا يكون هناك طريق للدفاع عن أنفسهن بطريقة صحيحة.

والى ذلك، ورغم أن النظام القضائي لا بد أن يكون محايدا ويحمي العدالة وحقوق الناس، إلا أنه وفي معظم الدول ذات الأغلبية المسلمة يستخدم لأسباب سياسية أو ما يسمى بالشأن الديني. من هنا فالمشكلة في أصلها أعمق بكثير من مسلسل القصص التي يتناولها الإعلام، لأن هذه الدول تحتاج الى إصلاح عميق وإعادة تقييم، وعلينا أن نواجه ذلك.

كما أن استخدام وتوظيف قضية معلمة بريطانية لإظهار كيف نهتم نحن بالإسلام، لا يعدو كونه هراء لا بد من رفضه، لأن الصورة هنا تبدو وكما أن تلك المعلمة أصبحت عربة أو مركبة تظهر من خلالها الحكومة حرصها على الإسلام، ولدى بعض المسلمين وسيلة لإظهار الغضب تجاه الغرب. وأقول هنا، أولا: الغضب ليس شيئا محمودا في ذاته. وثانيا: أن ترسله عبر وسائل غير صحيحة وغير عادلة يعني أن المطلوب إدانته، وأقصد هذه الشاكلة من الغضب، ألم يقل النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «ما بنيَّ على باطل فهو باطل». ومن هنا فعلينا أن نطالب المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة بأن تكون أكثر تماسكا وتمسكا بقيمها الخاصة، وأن تثبت على العدالة من خلال رفض استغلال الإسلام. كما عليها أن تحمي استغلال النظام القضائي والناس الأبرياء، أغنياء كانوا أو فقراء، وكذلك المسلمين وغير المسلمين، رجالا كانوا أو نساء. ومن هنا أيضا فلن نستطيع أن نظل صامتين تجاه الأفعال المسيئة للدين التي تحدث في بعض الدول الإسلامية، خاصة أنها تتم باسم ترجمة لإحدى الترجمات للإسلام.

ومن الواضح أن إداناتي، وكذلك إدانات أساتذة وعلماء مسلمين كثر، لم يتم سماعها بوضوح، ولسوء الحظ فعالمية المعلومات لا تعني التواصل الكفء. ففي الدول الغربية، وبنفس القدر الدول ذات الأغلبية المسلمة، نشهد نوعا من الاستماع الانتقائي، والناس تتم دعوتهم للاستماع فقط للذي يريح تحيزاتهم أو يناسب أجندتهم العقائدية.

وهنا أقول إن الاستقطاب خطير لأنه يزيد العداوات، ولذلك فعالمنا يحتاج إلى أصوات أكثر شجاعة وأكثر تماسكا. أما السبب الذي لا يتيح الاستماع لهيرسي في أغلب الدول الإسلامية فلأنها ترفع قضايا ليست ذات صلة (بعض مجادلاتها ذات صلة)، فيما يبدو نقدها مفرطا واستحواذيا وآحادي النظرة، وتبدو هنا كما لو أنها تريد أن تسعد الغرب، ولنقلها: نعم فالغرب مسرور بما تفعل، فيما آذان المسلمين صماء تجاه صوتها.

وأخيرا، فالمستقبل ينتمي لأولئك القادرين على ممارسة النقد الذاتي باسم قيم عالمية مشتركة، ولكن ليس بسبب الانتماء الأعمى لبناء مزيف أو وهمي يحمل اسم الحضارة الغربية أو حتى الإسلامية أو بسبب أجندة عقائدية خفية. ولذلك فكل طعن من الخلف للدين أو المبادئ لا بد أن يشجب بنفس الحماس، كان من أولئك المسلمين الذين يقتلون أناسا أبرياء أو يعاقبون أو يسجنون مدى الحياة نساء فقيرات، وبنفس القدر مجتمعات تلك الدول الغربية الديموقراطية وهي تغزو بلدا آخر أو تستخدم التعذيب. وأخيرا أيضا، فسيكون من الأفضل أن نسمع بصورة أكثر تلك الأصوات المبتعدة عن الانتقائية.

* أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد، والمقال رد على مزاعم لإيان هيرسي علي، خدمة «غلوبال فيو بوينت» خاص بـ«الشرق الأوسط»