ظاهرة اللا رئيس

TT

أخطر ما في أزمة الفراغ الرئاسي اللبناني او بقاء البلاد بدون رئيس، وهو يدخل العام الجديد 2008، انها تحمل معها نموذجا في قلب المنطقة لتفكك الدولة وتلاشيها لحساب طوائف او تيارات وميليشيات خيوط الشد والجذب الأساسية فيها متصلة بالخارج.

وحتى الآن لا يبدو ان الفراغ له تأثيره الكبير على الحياة اليومية للناس، وعلى العكس فإن بعض التقارير الواردة في صحف غربية تتحدث عن مظاهر عادية للحياة واحتفالات بالمناسبات لم تتأثر كثيرا، وإن كان كل هذا يرتبط بحكومة تقوم بتسيير الاعمال لحين انتخاب رئيس جديد، والسؤال المحير هو إلى متى يمكن لهذه الصيغة الاستمرار؟

قد تبدو وتيرة الأمور عادية بينما يتصارع السياسيون ويختلفون فيما بينهم، لكن أطراف اللعبة اللبنانية ليسوا سياسيين عاديين فبينهم ـ وبالتحديد في المعارضة ـ من يقود ميليشيات لديها اسلحة وقوات تفوق قوة الدولة، مثل حزب الله، بينما يجري التلويح بسيناريو تكون فيه حكومتان ورئيسان الى آخره بما يعني انقساما حقيقيا.

وهناك تجربة سابقة دامية لهذا الانقسام حدثت في السبعينات والثمانينات ايام الحرب الاهلية التي اعادت لبنان الى الوراء عشرات السنوات وحصدت عشرات الالوف من الارواح، وهي بقدر ما كانت حربا اهلية داخل لبنان إلا انها كانت ايضا حربا اقليمية بين قوى تتصارع على ارض لبنان ولكن أطرافها، ودمها المسال، لبنانية.

وبين الأزمة التي قادت الى الحرب الاهلية وقتها، والأزمة الحالية، خيط مشترك هو الدولة الضعيفة التي تحاول فرض سيادتها على ارضها، ففي السبعينات كان الصراع مع الفصائل والتنظيمات الفلسطينية التي كانت اقوى بكثير من الدولة وتتخذ قرارات الحرب والسلام بشكل منفرد، وعندما انفجرت المعارك انقسمت الاطراف الداخلية اللبنانية وخاضت حربا ضروسا ضد بعضها، وولد الانقسام انقسامات جديدة لدرجة انه في النهاية اصبح العنف من اجل العنف.

أما الأزمة الحالية فقد بدأت مناوشاتها قبل اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري الذي كان رئيس حكومة قويا، وأيضا كانت حول سلطة الدولة وقرارها، ثم تفجرت باغتياله وبدأت تظهر ملامح الانقسام بين الذين يريدون حسابا حقيقيا على الجريمة والذين يريدونها ان تدخل في إطار تاريخ طويل من الاغتيالات لم يحاسب عليها أحد او يجري فيها تحقيق جاد، ثم جاءت حرب الصيف مع اسرائيل والتي اسفرت عن وضع غريب، حزب يقود حربا مسلحة خارجية يدفع ثمنها البلد، ودولة ليست مسؤولة عن قرار الحرب ولم تستشر فيه، وعليها تحمل نتائجها، واستمر الانقسام لنصل الى الوضع القائم اليوم وهو عدم القدرة على انتخاب رئيس.

وقد القى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بمسؤولية أزمة الفراغ الرئاسي اللبناني الحالية او بقاء لبنان بلا رئيس على الخارج في رسالته الى عمرو موسى أمين الجامعة العربية بعد الاعلان عن عقد اجتماع وزاري عربي طارئ لبحث الازمة اللبنانية عندما قال إنه يكفي ان يتصالح العرب فيما بينهم ليكون لبنان عندئذ بألف خير.

ولا ينكر أحد ان هناك تداخلات خارجية في الازمة اللبنانية، الجميع يعرفها، او ان هناك تباينات عربية حول الملف اللبناني والدور السوري والإيراني، لكن يمكن للسياسيين اللبنانيين ان يراهنوا على ان معظم الدول العربية تريد دولة قوية في لبنان، ووضعا هادئا هناك، وأبعد ما ترغب فيه أن يصبح بؤرة اضطراب جديدة تضاف الى البؤر الحالية.

وفي النهاية فانه مهما كانت قوة الطرف الخارجي فإن الداخل يستطيع لو امتلك قراره ان يحسم الأزمة، فبري هو صاحب القرار في دعوة او عدم دعوة البرلمان لعقد جلسة انتخاب الرئيس.