اغتيال بوتو.. هواجس

TT

لا شك ان حادث اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بي نظير بوتو، الذي أدانته بشدة كل من السعودية والإمارات والكويت وباقي دول الخليج، سيترك تبعات سلبية على دول الخليج خاصة من الناحية الأمنية، إذ ان هناك علاقات تاريخية عميقة تربط بين باكستان ودول الخليج واتسمت بالتعاون الوثيق في مختلف المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والتجارية. ولعل الموقف الأمني في باكستان سيكون أهم وأبرز العوامل التي ستلقي بظلالها على المنطقة عقب اغتيال بوتو وخاصة في ضوء العلاقات الاقتصادية مع باكستان والمكانة التي تحظى بها بوصفها الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك الأسلحة النووية. أضف إلى ذلك موقعها الجغرافي على حدود أفغانستان التي ترزح تحت ويلات الصراعات والنزاعات، وإيران ذات الطموحات النووية، لذا فإن دول المنطقة تراقب عن كثب كافة تطورات المشهد الأمني والسياسي في باكستان نظراً لأن زعزعة الاستقرار في هذا البلد ستكون له عواقب وخيمة على المنطقة بأسرها.

وقد مثل اغتيال بوتو حلقة جديدة في مسلسل الاضطرابات والقلاقل التي عرف بها التاريخ السياسي الباكستاني، فعقب الحادثة بادرت الحكومة الباكستانية باتهام زعيم طالبان بيعة الله محسود بارتكاب الحادث بالتنسيق مع القاعدة، وهو ما نفاه المتحدث الرسمي باسم محسود في 29 ديسمبر الماضي جملة وتفصيلاً. وعلى الرغم من عدم التأكد من هذه الأنباء، إلا أن تورط القاعدة المباشر في الحادث او إسنادها مهمة تنفيذ العملية إلى إحدى المنظمات الإرهابية التابعة لها في باكستان بات أمراً مرجحاً حيث تحمل العملية التي خُطط لها جيداً بصمات القاعدة إذ تم تنفيذها بأسلوب مزدوج يعتمد على إطلاق النار وتفجير حزام ناسف كان يرتديه منفذ العملية.

ويرى البعض أن إنكار الناطق باسم محسود لارتكاب الحادث هو من قبيل المراوغة الهدف منها عدم خسارة الدعم والتأييد بين الباكستانيين في ضوء السخط الشديد الذي خيم على البلاد جراء عملية الاغتيال.

وكانت بوتو أصدرت بيانات اتسمت بالحدة وأعلنت الحرب على المتطرفين والإرهابيين في إطار برنامجها للعودة إلى الساحة السياسية. وفي حين يأتي مشرف على قائمة المستهدفين من القاعدة ونجا من عدة محاولات لاغتياله قبل ذلك، إلا أن القاعدة كانت تنظر بعين الريبة إلى بوتو لأنها تحظى بدعم وتأييد كامل وعلني من واشنطن التي لم تخفِ رغبتها في عودتها إلى تولي مقاليد الأمور في البلاد والتعاون مع مشرف بعد إجراء الانتخابات القادمة. وبينما تاهت وقائع الحادث في غياهب الغموض وقد لا ترى النور أبداً، فإن باكستان تجد نفسها مضطرة لمواكبة تداعيات الحادث التي قد تكون طويلة الأمد.

ومما لا شك فيه أن سوء إدارة الوضع في باكستان كان ذريعة لظهور احتجاجات عنيفة من قبل أعضاء وأنصار الحزب الغاضبين وقد تحاول القوى المعادية لباكستان استغلال هذه الاضطرابات لإحداث مزيد من البلبلة في ظل الأوضاع الأمنية الهشة قد دفع باكستان للعودة إلى قانون الطوارئ والأحكام العرفية.

يبقى القول ان تفاقم الوضع الأمني في باكستان لن يؤدي إلاّ إلى مزيد من التدهور الذي سيلقي بتبعاته السلبية على أفغانستان التي تمر حالياً بمرحلة صعبة وربما لن تقتصر هذه التبعات على باكستان فحسب بل هناك هواجس من امتدادها إلى دول الخليج المجاورة، لذا فإن دول الخليج حريصة على خروج باكستان من محنتها الحالية بثبات وعزيمة من دون التأثر بهذه الأعمال الإرهابية. فوجود حكومة قوية في باكستان تعززها مؤسسات أمنية وعسكرية فاعلة يصب في مصلحة دول الخليج ويتمنى الجميع وصول القيادة السياسية والعسكرية وكافة الأحزاب السياسية إلى إجماع وطني من أجل المضي قدماً نحو تحقيق الأمن والاستقرار.

* باحثة باكستانية

متخصصة في الشؤون الأمنية