باغتيالها فقدت صديقة .. وشريكا في الديمقراطية

TT

ليس هناك قانون وبالتأكيد ليس هناك نظام في بلدي. ما حدث الأسبوع الماضي هز الجميع في باكستان. بي نظير بوتو ليست شخصية عادية، فقد عملت رئيسة للحكومة مرتين وعادت إلى باكستان سعيا منها لإعادة البلاد إلى طريق الديمقراطية. وباغتيالها فقدت صديقة وشريكا في الديمقراطية.

من المبكر ان نوجه مسؤولية اغتيالها لشخص بعينه. إلا ان الأمر المؤكد هو ان البلاد تدفع ثمنا باهظا للأعمال التي لا تغتفر لشخص واحد هو برويز مشرف. مشرف وحده هو المسؤول عن الفوضى في باكستان. فخلال السنوات الثماني السابقة عمل مشرف على هدم المؤسسات وتقويض الدستور وتفكيك القضاء وتكميم أفواه وسائل الإعلام. باكستان اليوم دولة عسكرية يتم فيها اغتيال رئيسة سابقة للحكومة في وضح النهار. هذه أحلك أيام في تاريخ باكستان، وهناك شعور واسع بالإحباط. طرح الحاضرون في كل الندوات السياسية التي أقمتها في إطار الحملة الانتخابية سؤالا بسيطا ومباشرا: «المجرمون يعاقبون على خرق القانون، لماذا لا يعاقب الذين يقوضون الدستور؟» الذين اغتالوا بي نظير بوتو هم قوى الظلام والاستبداد. انهم من يفضلون البنادق على العقل.

جمع بين حزبي، «الرابطة الإسلامية»، وحزب بي نظير بوتو، «حزب الشعب الباكستاني»، التنافس السياسي. فقد نافسنا بعضنا بعضا من خلال الانتخابات التي كسبنا بعضها وخسرنا بعضها الآخر، وهذه هي الفكرة الأساسية للديمقراطية، أي ان صاحب الأغلبية هو الذي يحكم. توصلت وبوتو خلال وجودنا في المنفى إلى ان المواجهة بين أنصار الديمقراطية قد سهلت من عملية التلاعب لدى القوى غير الديمقراطية، لذا قررنا عدم السماح بممارسة المؤسسة الحاكمة لهذه الألاعيب الشائنة.

لا أزال أتذكر بإعجاب زيارة بي نظير بوتو في فبراير 2005 لمقر إقامتي في جدة. توصلنا إلى اننا نعمل من اجل هدف واحد هو الديمقراطية. وكانت تؤمن بحكم القانون وحكم الشعب، وكانت الركيزة الأساسية لميثاق الديمقراطية الذي وقعناه سويا في مايو 2006 هي ضرورة احترام الكل لتفويض الشعب وعدم السماح بممارسات المؤسسة الحاكمة الرامية إلى تقويض إرادة الشعب. وبينما قد يكون حزب الشعب الباكستاني منافسنا التقليدي فانه حزب وطني الهمت زعامته الكثير من الباكستانيين. وتشكل الأحزاب السياسية جزءا من الأساس الذي تستند اليه الديمقراطية. وإذا كان لبلادنا أن تمضي الى امام فإننا بحاجة الى قضاء مستقل وبرلمان ذي سيادة وأحزاب سياسية قوية مسؤولة امام الشعب. وبدون أحزاب سياسية سيكون هناك يأس وسينتشر الاستبداد. ان الدكتاتوريين يخشون سلطة الشعب. وهذا هو السبب الذي يجعلهم يحرضون الأحزاب ضد بعضها البعض في محاولة لتحطيمها من أجل تحقيق أجندتهم الخاصة. وهذا ما حدث في باكستان في السنوات الأخيرة.

اذن فما هو المخرج من الأزمة العميقة التي تعاني منها باكستان ؟ أولا يجب ان يرحل مشرف حالا. انه المصدر الرئيسي للتوتر. وثانيا يجب اقامة حكومة وحدة وطنية موسعة فورا من أجل ان تشفي جراح هذا البلد. وثالثا يجب استعادة الدستور كما كان عليه الحال عام 1973. ويجب ازالة كل العقبات من أمام وسائل الاعلام. وأخيرا يجب اقامة انتخابات حرة ونزيهة في بيئة سلمية ودية في ظل مثل هذه الحكومة حتى يتمكن الناس من اختيار ممثليهم للبرلمان والحكومة التي يمكن أن تنال الثقة لإعادة بناء البلاد وليس لخدمة اجندة دكتاتور.

هذه هي الخطوات التي يمكن وحدها أن تحقق الاستقرار في البلاد. وإذا ما حكم مشرف كما فعل خلال السنوات الثماني الماضية فإننا بالتالي لا نفعل سوى انتظار دائم. ويتعين على العالم أن يدرك ان سياسات مشرف لم تقلص ولم تمنع الارهاب. والحقيقة أن الارهاب أقوى من أي وقت مضى، وطالما أن مشرف باق فسيبقى التهديد بمزيد من الارهاب. وقد آن الأوان للمجتمع الدولي لكي يوحد جهوده دعما للديمقراطية وحكم القانون في باكستان. ان حل مشكلات بلادي يمر عبر عملية ديمقراطية تعزز العدالة والسلام والتوافق والتسامح وبالتالي تستطيع أن تلعب دورا فعالا في تعزيز التحديث. عبر الدكتاتورية ليس هناك مستقبل.

* رئيس الوزراء الباكستاني السابق وزعيم حزب «الرابطة الإسلامية»

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»