طفل صغير ولكنه معجزة!

TT

وأنا صغير كنت أتمنى أن أكون حراً بلا قيد.. لا مرتبطاً بأحد ولا مربوطاً من عنق أو ذيل أحد.. وكنت أتمنى لو كنت لقيطاً لا أعرف لي أبا ولا أما ولا أخا ولا أختا ولا خالا ولا عما. واليوم أصبحت ذلك الذي مات له كل عزيز.. تصحرت، جفت الدموع، تباعدت المسافات.. خلت من كل العلاقات. ولست سعيداً لذلك. فقد كان وهما جميلا وصار حقيقة مؤلمة..

حتى فوجئت أثناء الفرجة على أحد المصانع بطفل صغير أمسك يدي ولا يريد أن يتركها. أدهشني ذلك وسألت السيدة التي تشرف على الطفل وزملائه. فقالت: إنه لقيط. وكل هؤلاء!

ورأيت الحزن واليأس في عيني الطفل. والذي سوف يكره الناس وينتقم منهم مع أنهم لم يأتوا به. وقالت لي: عندنا مشكلة!

أما المشكلة فهي أن كل الأطفال اللقطاء لهم شهادات ميلاد، مكتوب فيها: إنه لقيط.. وأنهم وجدوه في أحد صناديق الزبالة. تصور كل هذا مكتوب في شهادة الميلاد. أعوذ بالله! واتصلت فوراً برئيس الوزراء د. كمال الجنزوري فأصدر قراراً بأنه ممنوع منعاً باتاً ذكر كلمة لقيط. وإنما يجب أن يكون له اسم أب وأم ومدينة قد ولد فيها. فهذا الطفل الذي أمسك يدي قد غير التاريخ وأعاد الاحترام إلى مئات الألوف من الأطفال الأبرياء..

وفي أوروبا لا يكتبون أن الطفل لقيط: دافنشي ابن حرام.. صوفيا لورين بنت حرام.. مستشار ألمانيا فيلي برانت أيضاً. ولكن أحداً لا يفضح طفلا بريئا.

وشيء آخر حدث في مصر لأول مرة أيضاً. فالطفل الذي ضل الطريق ولا يعرف اسمه ولا اسم والديه ولا عنوان بيته، فإنهم يذكرون في شهادة ميلاده: طفل تائه وأنهم وجدوه في الشارع ـ انتهي هذا الكلام السخيف المهين، وأصبح من الضروري أن يكون له اسم واسم أب وأم ومدينة قد ولد فيها، فهو مواطن مصري مائة في المائة، ولكن كانت هناك ظروف سيئة لا ذنب له فيها!

وفي العصور الوسطى استطاع طفل أن ينقذ أوروبا من الطاعون الأسود. إنه طفل من مدينة هاملن الألمانية. أمسك مزماراً فمشت وراءه الفئران بالملايين.. ونزل بها الماء فماتت الفئران بالملايين.. وعاشت أوروبا بلا طاعون!

إنه طفل ولحظة كأنها المعجزة!