بوتو قبل اغتيالها.. كانت قلقة للغاية.. من ماذا؟

TT

جاء اغتيال بي نظير بوتو في أعقاب شهرين من المناشدات الملحة لوزارة الخارجية من جانب ممثليها لتوفير حماية افضل لها. وكان رد الفعل الأميركي يعبر عن الثقة بأن الرئيس الباكستاني برويز مشرف لن يسمح بحدوث شيء لها.

ودفع ذلك الموقف أحد وكلاء بوتو لإبلاغ مسؤول كبير في وزارة الخارجية بأن معسكرها لم يعد يصور الجهد الأميركي وراء الكواليس من أجل التوسط في اتفاق للمشاركة في السلطة بين مشرف ورئيسة الوزراء السابقة باعتباره اتفاقا ايجابيا باتجاه الديمقراطية. وكان، وفقا للشكوى التحريرية، محاولة للحفاظ على مشرف الذي يواجه خطرا سياسيا باعتباره رجل جورج بوش في اسلام اباد.

وقد أكد الرئيس بوش ذلك الحكم بتصريحه الذي جاء خلال ساعات من معرفته باغتيال بوتو، عندما حث على اجراء الانتخابات في موعدها المقرر يوم الثامن من الشهر الجاري من اجل تعزيز "الديمقراطية" الباكستانية. وقد يكون ذلك موقف مشرف ولكنه ليس موقف منتقديه بالتأكيد. وكانوا يعتقدون ان الانتخابات ستكون خدعة بمصرع بوتو ومقاطعة نواز شريف، على الرغم من أن شريف غير موقفه أخيرا. وكانت ادارة بوش قد قررت قبل أشهر التوسط لعقد اتفاق للمشاركة في السلطة ارتباطا بتقاعد مشرف، الذي لا يتمتع بشعبية، من الجيش وبقائه رئيسا وتولي بوتو، التي تتمتع بشعبية، منصب رئيس الوزراء للمرة الثالثة. واعتمد ذلك القرار على أهمية باكستان الاستراتيجية كملاذ لمقاتلي القاعدة وطالبان. وكان بوش يواجه مأزقا. وكانت بوتو أكثر صرامة من مشرف تجاه المتطرفين الاسلاميين ولكن بوش استثمر الكثير من خلال الجنرال.

وعندما التقيت آخر مرة مع بوتو في فندق بيير بمانهاتن في اغسطس الماضي كانت تشعر بقلق عميق ازاء ازدواجية واشنطن ولكنها طلبت مني ان لا أكتب حول الموضوع. فلم تكن قد سمعت من مشرف شيئا لفترة ثلاثة اسابيع بعد لقائهما السري في يوليو الماضي في أبو ظبي.

ثم جاءت حالة الطوارئ التي فرضها مشرف وتطهير المحكمة العليا في باكستان لضمان شرعية انتخابه كرئيس. ووفقا لمستشاري بوتو فان وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس طلبت من بوتو في حديث هاتفي أن تمضي بتلك العملية مقابل تنازلات من مشرف. ووافقت بوتو ولكنها لم تحصل على شيء بالمقابل.

وجاءت محاولة اغتيال بوتو الفاشلة يوم 18 أكتوبر الماضي في أعقاب رفض النظام توفير حماية أمنية لها عندما عادت من منفاها بعد ثماني سنوات. ورفضت الحكومة الباكستانية مساعدة مكتب المباحث الفيدرالي بالتحقيق في الهجوم. وفي يوم 26 أكتوبر الماضي ارسلت بوتو رسالة بالبريد الالكتروني الى مارك سيغل، صديقها والمتحدث باسم واشنطن، لتعلن فقط في حال موتها.

وقالت بوتو في الرسالة «أحمّل مشرف المسؤولية. أشعر بالقلق بسبب الموظفين التابعين له». وأشارت الى العوائق امام «استخدام سياراتها الخاصة أو تعتيم النوافذ»، واستخدام ما يحمي من العبوات الناسفة، واحاطتها من جانب سيارات الشرطة. وقالت انه «بدونه (مشرف)» لم يكن لهذه الطلبات ان تعاق.

وفي أوائل ديسمبر الماضي قام مسؤول حكومي باكستاني سابق مؤيد لبوتو بزيارة لمسؤول اميركي رفيع لتجديد طلبات بوتو الأمنية، ولكن ذلك قوبل بالرفض.

وطلب من ريتشارد باوتشر، مساعد وزيرة الخارجية لشؤون جنوب ووسط آسيا، ان يستجيب للمخاوف من جانب مراقبين أميركيين غير حزبيين للانتخابات. وكان جوابه «اعتقد انهم سيحصلون على انتخابات جيدة. يمكن أن تحصل انتخابات ذات مصداقية، وشفافة ونزيهة. ولن تكون انتخابات مثالية». وترددت أصداء كلمات باوتشر عبر أروقة السلطة في اسلام اباد. وأشار عدم تطلع الأميركيين الى الكمال الى أنهم سيتطلعون الى ما هو اقل. وبدون وجود بوتو فان ذلك سيكون أقل بكثير.

وقد يكون مصرع بوتو من العوائق الكبرى لواشنطن في باكستان. فلا اطلاق الرصاص عليها يوم الخميس الماضي ولا محاولة اغتيالها يوم 18 اكتوبر الماضي، كانت تحمل بصمات القاعدة. وبعد المذبحة استخدمت الشاحنات الحكومية المياه لإزالة الدماء وخلال هذه العملية أزالت الدلائل الجنائية. وإذا لم يكن متأخرا فهل سيكون عرض وقبول التحقيق من جانب مكتب المباحث الفيدرالي ضروريا ومناسبا؟

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»