قمة.. مقابل رئاسة

TT

فيما يغوص اللبنانيون في دبلوماسية «تفسير» دستور بلادهم ـ على خلفية أولوياتهم السياسية ـ يطول عهد الفراغ الرئاسي ويزداد الوضع المعيشي تدهورا وينكشف عمق الانقسام المتسع باطراد بين «جناحي» لبنان.

المقلق في دبلوماسية «تفسير» الدستور أنها بلغت من «الشطارة» حدا جعل الدستور نفسه ضحيتها الاولى بعد أن اسقطت «حصانته» المعنوية المرتبطة، عمليا، بنظام تعايش سياسي يجعل المس بالدستور اللبناني مسا بالنظام نفسه. إلا أن المؤسف أن مواد الدستور اللبناني أصبحت، في عهد الفراغ الرئاسي، تلك القبوات التي يقول المثل عنها إنها تغطي السموات.

حبذا لو وفّر جهابذة القانون على اللبنانيين عناء تفسير مفهومهم «لروح» الدستور واكتفوا بتفسير أبسط، وحتما أنفع، لمواقف «مراجعهم» (غير الدستورية طبعا) من مصير لبنان ككل على اعتباره الضحية الحقيقية لدبلوماسية «التفسير». وما يبدو مستغربا في هذا السياق أن يكون الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، لا «مفسرو» الدستور اللبناني، أول من يطفح كيله من سورية فيعلن تعليق اتصالاته بها فيما «حلفاء» دمشق في لبنان يجهدون قريحتهم في تفسير الدستور... وكأن عقدة انتخاب الرئيس اللبناني دستورية لا سورية؟

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، يجوز التساؤل ايضا: هل يعقل أن يطالب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الروسي، ميخائيل مارغيلوف، «قوى إقليمية» بالتوقف عن عرقلة الانتخابات الرئاسية (في لبنان) من خلال حلفائها في البرلمان اللبناني ويغفل «مفسرو» الدستور اللبناني عن ذكر مآرب «مراجعهم» من دبلوماسية التفسير؟

وهل يعقل ان يسمع اللبنانيون من الرئيس المصري، حسني مبارك، مناشدته لسورية «التدخل بما لها من نفوذ» حتى يتمكن البرلمان من انتخاب رئيس قبل ان يسمع من حلفاء دمشق المباشرين في البرلمان اللبناني شروطها لانتخاب رئيس جديد؟

واستطرادا، هل يعقل، ايضا وأيضا، أن يكون الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أول مسؤول كبير يلحظ ارتباط مؤتمر القمة العربية المقبل، والمزمع عقده في دمشق، بأزمة الرئاسة اللبنانية في توقعه إقدام دمشق على حل أزمة الرئاسة اللبنانية قبل القمة العربية... لأن سورية «لن تفرط» بمؤتمر من شأنه كسر أسوأ عزلة عربية ودولية شهدتها في تاريخها الحديث؟

أهمية زيارة ساركوزي الاخيرة الى القاهرة قد تكون في اتاحتها لمصر وفرنسا، معا، مناسبة مشتركة لوضع النقاط على الحروف في أزمة الرئاسة اللبنانية عبر تحميلهما سورية، دون مواربة، مسؤولية عرقلة انتخاب العماد ميشال سليمان.

ولأن تأكيدات الرئيسين المصري والفرنسي تأتي على خلفية مطالبة الرئيس ساركوزي لسورية «بأفعال لا أقوال»، فهي توحي بتطور نوعي في اسلوب مقاربة الدولتين لأزمة الرئاسة في لبنان وهي مقاربة يصح إدراجها تحت عنوان «الشفافية والمصارحة».

انطلاقا من هذا التطور، تجوز دعوة وزراء الخارجية العرب، في اجتماعهم الطارئ المقرر عقده في القاهرة الاحد المقبل، إلى إكمال مسيرة مصارحة اللبنانيين «بالعقدة» الحقيقية في أزمتهم عبر ممارسة إجراءين باتا ضروريين لدرء مخاطر استمرار الفراغ الرئاسي في لبنان... وفي نفس الوقت إعادة الخيار الرئاسي الى اللبنانيين:

* اعتماد «الشفافية» في دبلوماسية التعامل العربي مع النظام السوري وبالتالي البدء بتسمية الامور بأسمائها ـ بمعنى التلويح لسورية بان استمرارها في عرقلة الاستحقاق الرئاسي في لبنان عبر حلفائها المطيعين في البرلمان سيؤدي الى تسميتها، جماعيا وعلانية، على انها الجهة المسؤولة بشكل مباشر عن أزمة لبنان.

* رهن انعقاد القمة العربية المقررة الربيع المقبل في دمشق بإنجاز عملية انتخاب رئيس لبنان الجديد وعودة الاستقرار السياسي اليه بحيث تصبح معادلة المرحلة الراهنة: قمة عربية... مقابل رئاسة لبنانية.

والواقع يكفي أن تلوح دولتان عربيتان بهذه المعادلة لتُنزع «الورقة اللبنانية» من يد النظام السوري.