لا.. باكستان ليست في حالة انهيار

TT

اغتيال بي نظير بوتو، الأسبوع الماضي، في عملية إرهابية دفع باكستان إلى صدارة الأنباء على نحو غير مسبوق، بل ان بعض المعلقين الاميركيين زعم ان اغتيالها سيؤثر على حملة انتخابات الرئاسة الاميركية وسيساعد المرشح الذي يطرح سياسة خارجية أكثر صرامة وقوة.

لا شك في ان باكستان تستحق هذا الاهتمام. وعلى الرغم من انها ظلت ساحة بارزة في الحرب العالمية على الإرهاب منذ عام 2001، فإنها لا تحظى بفهم وإدراك يذكر في الغرب.

فقد أكد معلق اميركي على ان اغتيال بي نظير بوتو يعكس «فشل سياسة واشنطن في باكستان». ومن الواضح ان هذا المعلق بنى زعمه هذا على أساس اعتقاده بأن بي نظير لم تكن سوى أداة للسياسة الاميركية. ونجحت في كسب تأييد واشنطن لفتح حوار مع مشرّف، وساعدت الولايات المتحدة في هذا الحوار لكنها كانت تدرك انه ليس بوسعها فعل ما هو أكثر من التعامل مع كل من مشرّف وبي نظير بوتو على أساس الاعتقاد المشار إليه. لم يفعل أيٌّ من مشرّف وبي نظير أيَّ شيء لا يرغبان فيه طبقا لرغبة الولايات المتحدة أو أي جهة أخرى.

زعمت بعض الجهات ان بي نظير كانت ضحية جهاز الاستخبارات الباكستاني، إلا ان ذلك الاتهام ساذج وربما لم يحظ بأي اهتمام إذا لم يروج له أصحاب نظرية المؤامرة. فأجهزة الاستخبارات هذه ربما يكون لديها قتلة مأجورون وليسوا انتحاريين. مثل هذه العمليات من اختصاص الجماعات الإرهابية. كما ان الاستخبارات الباكستانية إذا أرادت اغتيال بي نظير فربما نظمت انفجارا ضخما مثل الذي استخدمته الأجهزة السرية السورية لقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005. يشير أصحاب نظرية المؤامرة أيضا إلى ان اغتيال بي نظير بوتو جرى في مدينة روالبندي، وهي مدينة ذات طابع عسكري. ويسأل معلق في هذا السياق: «كيف يعمل الإرهابيون في مثل هذا المكان؟» إلا ان السائل نسيَّ فيما يبدو ان مشرف نفسه نجا من محاولتي اغتيال في مدينة روالبندي نفسها العام الماضي.

كما ان مدينة البليدة الجزائرية، وهي أيضا مدينة بها وجود عسكري واسع، كانت خلال حرب الجزائر ضد إرهاب الجماعات المسلحة في عقد التسعينات هدفا للعمليات الإرهابية. ليست هناك غرابة في ان ينضم الإرهابيون إلى جانب الذين ألقوا بمسؤولية الاغتيال على السلطات. هل هناك أفضل من قتل عدو والإلقاء بمسؤولية جريمة قتله على عدو آخر. هذا ما درج على فعله الإرهابيون في الجزائر على نحو مستمر. فقد كانوا يذبحون القرويين ليلا ويلقون بالمسؤولية على الجيش صباحاً.

في عام 1978 أضرم عملاء الخميني النار في «سينما ريكس» بعبدان، مما اسفر عن مقتل 400 شخص حرقوا أحياء، والقوا بالمسؤولية على الحكومة. الأمر المؤكد هو ان بي نظير بوتو اكثر شجاعة من زعماء «القاعدة» الذين خافوا على حياتهم وآثروا الاختباء في الكهوف وإرسال الشباب بعد غسل أدمغتهم لتنفيذ عمليات انتحارية. ثمة مزاعم أخرى بأن الإسلاميين على وشك اكتساح الانتخابات العامة والسيطرة على السلطة. إلا ان إسلاميي باكستان اليوم لا يتمتعون بتأييد شعبي واسع. كما ان تحالفهم (مجلس العمل الموحد)، يعاني انشقاقات ويقضي عناصره في النزاعات ضد بعضهم بعضاً وقتا أكثر من الذي يقضونه في منافسة أعدائهم العلمانيين. حصل الإسلاميون في الانتخابات السابقة على 11 في المائة من الأصوات. وسيكون التحالف محظوظا إذا حصل على نفس النسبة من الأصوات في الانتخابات المقبلة، بل ان زعيمه، مولانا فضل الرحمن، ربما يفقد مقعده. ظل الإسلاميون في السلطة في مقاطعة الحدود الشمالية الغربية، وهي واحدة من مقاطعات باكستان الأربع، على مدى السنوات الأربع الماضية وسجلهم يحتوي على عدد من الإخفاقات. اثبت هؤلاء عمليا إفلاس آيديولوجيتهم المريضة، وأشك في انهم سينجحون في غش الكثير من الباكستانيين، خصوصا ان كل الأحزاب الرئيسية قررت المشاركة في الانتخابات. وعلى الرغم من ان 98 في المائة من الباكستانيين مسلمون، فإن قلة منهم هم الذين يرغبون في الحياة في ظل نظام مثل النظام الإيراني.

وعلى الرغم من سنوات البؤس في ظل النظام العسكري، فإن معظم الباكستانيين يرحبون بالتعددية وتغيير الحكومة عبر الانتخابات.

وقد نشرت مجلة بريطانية قصة غلاف تشير إلى ان باكستان في طريقها إلى السقوط في يد طالبان. وتبين ان الرواية معتمدة على ادعاء بأن جماعات «على غرار» طالبان تسيطر على مقاليد السلطة في أجزاء من الجيب الجبلي المعروف باسم جنوب وزيرستان.

وربما يتذكر القراءُ أن هذا الجيب يغطي نصف واحد في المائة من مساحة باكستان البالغة 803 آلاف كيلومتر مربع. وسكان وزيرستان أقل من نصف مليون نسمة، بالمقارنة بإجمالي سكان البلاد البالغ 169 مليون نسمة. وعلى الرغم من ذلك، فلا يوجد دليل على ان الجيب وقع تحت سيطرة جماعات على غرار طالبان أو «الأفغان العرب» كما يطلق على الإرهابيين الأجانب. ما حدث هو ظهور عدة جماعات من الشباب المسلح، بشعور وذقون مسترسلة، يبحثون عن الشهرة والثروة. وفي الستينات، كانت هناك جماعات مماثلة تسمي نفسها باسم «الاشتراكيين». واليوم يفضلون لقب «الإسلاميين»، وهم في الواقع عصابات استمرت في تقاليد بدأت منذ أكثر من ألفي عام.

وقد حاول الاسكندر الأكبر القضاء على جدودهم بالقوة ولكنه فشل. ثم قرر استخدام الذهب حيث فشل السلام ونجح. وفي القرن التاسع عشر، تعرض البريطانيون لخبرة مماثلة، فبعد سنوات من الجهد العسكري للسيطرة على المنطقة، بدأوا في استخدام الأموال وحققوا نتائج سريعة. وأفضل سياسة اليوم أيضا هي شراء الجماعات المسلحة بدلا من «إهانتهم» في ميدان المعركة، وهو أمر لن يتساهل معه أيُّ قبلي. (ربما هذا هو السبب وراء إقرار الكونغرس الاميركي لمبلغ 800 مليون دولار لوزيرستان). ويتعرض مشرف لانتقادات حادة لرفضه منع طالبان من التسلل لأفغانستان أو العودة للأراضي الباكستانية للهرب من قوات حلف الأطلسي. وينسي منتقدو مشرف ان حدود باكستان ـ أفغانستان الجبلية تمتد لما يقرب من 2500 كيلومتر. وإذا لم تتمكن الولايات المتحدة من السيطرة على عمليات التسلل عبر حدودها الطويلة مع المكسيك، فكيف يمكن لباكستان، وهي دولة اقل تطورا بكثير، ان تحقق نتيجة أفضل على حدودها مع أفغانستان؟ وأخيراً، نشعر بالقلق بسبب احتمال سقوط السلاح النووي الباكستاني في يد طالبان أو «القاعدة». إلا انه لا يوجد أيُّ دليل على ان الجيش الباكستاني سينهار أو ان الترسانة النووية، التي وضعت تحت السيطرة المباشرة لمشرف بعدما ترك منصبه كرئيس للجيش، في حالة خطر. لقد أنفقت الولايات المتحدة 100 مليون دولار لتحسين أمن الترسانة النووية الباكستانية في العامين الماضيين. وعلى الرغم من ان المسؤولين الاميركيين لن يعترفوا بذلك، فإن المرء يتصور انه لدى الولايات المتحدة العديد من الخطط البديلة لضمان الصوامع النووية، الموجودة في مناطق صحراوية نائية، لحسن الحظ، يمكن عزلها بسرعة.

لا، باكستان ليست في حالة انهيار.

لا، الإسلاميون ليسوا في طريقهم للسيطرة على السلطة

لا توجد حاجة لإعلان الأحكام العرفية، كما يقترح بعض المعلقين.

لا يوجد سبب لتأجيل الانتخابات.

تحتاج باكستان للمزيد، وليس القليل من الديمقراطية.

وكلما تم الإسراع بعودة باكستان إلى حكم مدني كامل، أصبحت أكثر أمنا ومعها بقيتنا ايضا.