آلة شيطانية اسمها جهاز « تصعيد الرأي»!

TT

اذا كنت اكتب فيلما من افلام الرعب حول قطاع الاخبار، لكنت اخترعت آلة شيطانية اطلق عليها اسم «تصعيد الرأي».

وستتولى هذه الالة اخذ الاخبار ونقلها عبر شبكة من اجهزة تضخيم الصوت: فخبر دخل الجهاز في المستوى العاطفي درجة «ديسيبل»، وواحد سيخرج من الجهاز بدرجة الف «ديسيبل». وسيتولى الجهاز التعامل مع خبر واحد فقط، ولكنه سيكون مرتفع الصوت لدرجة انه سيغطي على كل شيء اخر ـ حتى يحل محله خبر اخر.

وعندما يبدأ جهاز «تصعيد الرأي» في الطنطنة سيدفع الناس الى حافة الجنون: وهو المنطلق لفيلم الرعب. وهو ما سيجعل مرشح الرئاسة يبدو شخصا لا يمكن هزيمته، ولكن بعد 6 اشهر اخرى سيصبح نفس الشخص يبدو مثل الخاسر. وسيقنع الجهاز المحللين ان حربا تدور في مكان قصي هي مجرد نزهة، ثم يجعل نفس الحرب تبدو وكأنها فقدت، ثم يمكن تحقيق النصر فيها مرة اخرى.

ومع نشر الجهاز الاخبار حول العالم، سيلعب دورا متعددا: ستصبح الشبكة محرك الرأسمالية العالمية، وفي نفس الوقت، مركز القيادة والتحكم للارهاب الدولي. وستقنع المسلمين ان كل اشارة من الغرب للاسلام هو تجديف. كما سيتولى الجهاز ارهاب الغرب بأن المسلمين يخططون للجهاد. وستضخم الغضب بدون اضافة اية توضيحات.

آسف. اعتقد ان شخصا ما اخترع مثل هذا الجهاز وأطلق عليه اسم الانترنت.

فمع بداية العام الجديد نعيش في وسط عالم افلام الرعب. فالأخبار تنتشر بسرعة على الانترنت لدرجة يبدو معها ان الناس اصبح لديهم وجهات نظر مؤكدة حول كل شيء لمدة 15 دقيقة. ثم يصبح لديهم رأي محدد حول شيء اخر. الشيء الذي لا تسمعه هو: عدم الثقة مثل «لست متأكدا فيما افكر فيه». او «ليست لدي وجهة نظر محددة حول هذا الموضوع».

والنظر الى احداث عام 2007، يبدو من المثير معرفة مدى قناعة الناس بالاشياء التي اصبحت خاطئة. لقد كانت سنة مقلوبة: فإذا كنت واثقا من امر ما في شهر يونيو، سيصبح من المرجح انك ستؤمن بعكس ذلك خلال عدة اشهر.

الوضع في العراق هو اوضح مثال على انعكاس الآراء. فخلال منتصف السنة، كان يبدو ان الاميركيين قد قرروا ان الحرب تهيئ كارثة. وفي اوائل الصيف، كان المعلقون في الحزبين على قناعة انهم يسعون للخروج. غير ان قرار بوش بإرسال 30 الف جندي مقاتل كان يعتبر تصرف زعيم معزول فقد الاتصال بالواقع. ثم بدأت الامور تختلف في العراق: فقد انخفض العنف بطريقة حادة، ولم يعد العراق موضوعا للحديث.

وكانت ايران ارض الآراء المنقسمة. وكان ذلك واضحا بصفة خاصة بالنسبة لتحليل اجهزة الاستخبارات، الذين كانوا على قناعة حتى منتصف الصيف ان الجمهورية الاسلامية ستصنع قنبلة نووية، وبحلول ديسمبر اصدروا تقريرا «بثقة قوية» ان الايرانيين قد اوقفوا برنامج صناعة القنبلة النووية في عام 2003. وصعد الجهاز هذه الآراء تصعيدا كبيرا: سندخل الحرب مع ايران خلال اسبوع، ثم يعلن الهزيمة في الاسبوع التالي.

كما تعرضت حملة الرئاسة الى تأكيدات تبين انها غير مؤكدة. كما بدت السناتور هيلاري كلينتون لا يمكن التغلب عليها في منتصف العام، ولكنها الان في ايوا وفي نيو هامبشير اصبحت ذات حظ متقارب مع باراك اوباما. وفي الجانب الجمهوري، يبدو جون مكين شخصية متفوقة، حتى حل محله رودي غولياني، الذي حل محله بالتالي ميت رومني، وهكذا.

ربما تقول ليس جهاز تصعيد الآراء. الحقائق تتغير والاستطلاعات تتغير. وتتغير معها الآراء. وهو امر صادق. ولكن الامر المختلف الان هو الطريقة التي تدور بها اللحظات الانتقالية بحيث تبدو غير قابلة للتغيير.

* خدمة مجموعة

«كتاب واشنطن بوست» (خاص بـ«الشرق الاوسط»)