هادئة من فوق وشغّالة من تحت

TT

قال الأب لابنه العصبي ينصحه: يا ولدي خليك مثل البطة، هادئة من فوق، وشغالة من تحت.. وهي من وجهة نظري نصيحة (جهنمية).

وعلى مبدأ البطة تقريباً، إليكم حكاية (باول غلاسغو) غير انه كان بطة تشتغل من فوق ومن تحت أيضاً. فقد اشترى مصنعاً في بلدة (بلاك ستون) بولاية فرجينيا بأميركا، وذلك عندما كان التمييز العنصري ضارباً أطنابه هناك، و(باول) هذا رجل منفتح وذو نزعة إنسانية، وقد هاله أن المصنع الذي اشتراه ليس فيه عامل واحد أسود، فكلهم كانوا من البيض، واستغرب أن الأنظمة في تلك البلدة تحتم على ذلك، فذهب إلى المسؤولين ليخبرهم انه سوف يدخل للعمل في مصنعه بعض المواطنين السود، فرفضوا في البداية، ولكنهم بعد أن تيقنوا من إصراره، لانوا قليلاً ووجهوا له خطاباً جاء فيه، انه لا مانع من ذلك على أن يقسم المصنع إلى قسمين، الأول للبيض والآخر للسود، فرفض اقتراحهم هذا.

وبعدها اقترحوا عليه اقتراحا أخف، وهو انه لا مانع أن يعمل (العنصران) في المصنع، من دون أي حاجز، ولكن كل عنصر يكون في جهة بعيدة عن العنصر الآخر، فرفض السيد (باول) ذلك الاقتراح أيضاً.

وبحكم أن وجود ذلك المصنع مهم جداً بالنسبة للحركة الاقتصادية في تلك البلدة، والمسؤولون فيها لا يريدون أي (هزة) تؤثر في عمله، فقد تنازلوا قليلاً، ووافقوا على دمج العنصرين مع بعضهما بعضا في العمل، على شرط فصل دورات المياه وأماكن الأكل والشرب بينهما، ورفض (باول) العرض الأخير هذا أيضا.

عندها جنّ جنون المسؤولين من هذا التحدي، وأرادوا أن يمسكوا (باول) من اليد التي تؤلمه، فهددوه بأنهم وحسب ما لديهم من صلاحيات، سوف يعارضون أي توظيف جديد لمصنعه.

فما كان من (البطة) باول، إلاّ أن يصعد بدوره القضية، ويشتغل (من فوق ومن تحت) في نفس الوقت، وركب رأسه، واستعمل مع المسؤولين سياسة (حافة الهاوية)، وقرر (إغلاق المصنع) فوراً، ومعنى ذلك تسريح جميع العمال البيض، وانتكاسة اقتصادية ومعيشية للبلدة بكاملها.

وما هو إلاّ يوم واحد، حتى رضخ المسؤولون، وبدأ توظيف المواطنين السود، ودارت عجلة العمل، وازدادت الأرباح، وبسبب هذا الموقف الشجاع تغير كثير من قوانين التوظيف في أميركا.

فيا عزيزي القارئ، هل تتمنى أن تكون بطة أم (أبو جلنبو)؟!

[email protected]