حرب الشوارب

TT

تصدرت صحيفة «الشرق الأوسط»، عدد الخميس الماضي، صورة لاثنين من قيادات حركة فتح يحلقان شعرهما وشاربيهما في وسط رام الله ضمن حملة تضامن مع أحد قادة فتح في غزة، الذي يتهم حماس بحلق شاربيه وشعر رأسه بعد اعتقاله، ولو لم يكن للشارب هذه القيمة الرمزية الهامة في بعض المجتمعات العربية، لنظر إلى المسألة وكأنها مجرد حلاقة مجانية، لكن حلق الشارب في عالمنا العربي وسيلة من وسائل إذلال صاحبه، حتى أن المخرج الكبير يوسف شاهين في فيلمه «الأرض» عبر عن هذه الرمزية للشارب، حينما جعل الشرطة تلجأ إلى حلق شارب أحد أبطال فيلمه بعد القبض عليه لتأكيد رمزية الإذلال، ولا أستبعد أن يكون بعض مسؤولي «حماس» من عشاق الأفلام المصرية، ومن مقلدي أحداثها، أو لعلهم قد استوحوا عقوبتهم لذلك القائد الفتحاوي من أدبيات عصر المماليك، الذين كانوا أوسع الناس تطبيقا لعقوبة حلق الشوارب، حتى أن الناس في عهدهم اضطروا إلى المبالغة في الاستقامة خشية على شواربهم، وهذا يعكس مدى أهمية الشارب، الذي يصل تعظيمه لدى البعض إلى القسم به «والعياذ بالله»، وهناك من يعالج الأمر فيقسم بمن أنبت ذلك الشارب، ومنهم من لا ينسى أن يأخذ المرأة على السريع في ركابه، وهو يؤكد أن شاربه سيكون على امرأة إن لم يفعل كذا وكذا.. ومن الأقوال الشعبية الشهيرة «قطع الرؤوس ولا حلق الشوارب».

صحيح أن الشوارب في عالمنا العربي اليوم اهتزت مكانتها، وغدت مجرد شعيرات قصيرة على وجوه البعض لا تستوجب الاعتداد بها، وبالتالي لا يلزم الفرد تزييتها وتشحيمها أو تدسيمها كما كان يفعل آباؤنا وأجدادنا في زمن عز الشوارب، حينما كان لقب «أبو شنب» أو «أبو شوارب» شهادة للرجولة الكاملة.. واهتزاز عرش الشوارب في عصرنا لم يحدث إلا بعد التوسع في القنوات الفضائية، وشيوع الوجوه الجرداء على شاشاتها الفضية، فمن ندرة الشوارب المعقوقة في زماننا أن غدا أحد أصحاب الشوارب يتكسب من شاربه، فلا يسمح بالتقاط صورة لشاربه إلا بمقابل مادي..

فرحم الله أزمنة الشوارب التي اعتادت أن تقف على جنباتها العصافير، وتأخذ من فوائضها ما تبني به أعشاشها.. وسامح الله «حماس» التي أدخلتنا بفعلتها تلك مرحلة «حرب الشوارب».

[email protected]